وهو كل لفظ دل على معنى يجوز حمله على جانبى الحقيقة والمجاز بوصف جامع بين الحقيقة والمجاز، وهذا نحو قوله تعالى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ
[البقرة: ٢٢٣] فإن لفظ الحرث دال على معناه بالحقيقة، لكنه استعمل فى مجازه ههنا وهو الجماع فى المأتى المخصوص الصالح للزرع، فلما كان دالا على حقيقته ومجازه لا جرم كان كناية، فهذا ملخص كلامه مع حذف كثير من فضلاته وهو فاسد لأوجه ثلاثة، أما أولا فلأن ظاهر كلامه «معنى» يجوز حمله على جانبى الحقيقة والمجاز، يدل على أن المحمول معنى واحد على جهة الحقيقة والمجاز، وهذا خطأ فإن المعنى الواحد لا يجوز أن يكون حقيقة ومجازا لاجتماع النفى والإثبات فيه لأنه يصير حقيقة، ليس حقيقة وهو باطل، بل الحق فى الكناية أنهما معنيان، أحدهما حقيقة، والآخر مجاز، وظاهر كلامه أنه معنى واحد، لأن قولنا فلان كثير رماد القدر، هو بأصله دال على كثرة الرماد، وبمجازه على كرم الموصوف لكثرة ضيفانه، فقد أساء فى هذا الإطلاق، وأما ثانيا فلأن ما ذكره يبطل بالاستعارة فى مثل قولنا فلان أسد وبحر، فإن قولنا: أسد كما يدل بحقيقته على السبع، فهو دال بمجازه على الشجاعة، فيجب دخوله فى حد الكناية، وأما ثالثا فلأن قوله «بوصف جامع بين الحقيقة والمجاز» يدخل فيه التشبيه؛ فإنه لابد من اعتبار أمر جامع، بخلاف الكناية، فإنها لا تفتقر إلى ذكر الجامع، فاعتبار قيد الوصف الجامع يدخلها فى التشبيه ويخرجها عن حقيقتها، فهذا ما يرد على حد ابن الأثير فى الكناية، ولقد طول فيه أنفاسه، وزعم أن أحدا لم يسبقه إلى هذه المقالة، ومن العجب أنه قد عاب على من ذكر فى حد الكناية ذكر الجامع كما حكاه عن بعض علماء البيان، وأبطله بالتشبيه، ومع ذلك فإنه قد اعتبره فى حده، وهذه مناقضة على القرب، ولم يدر أن العلم بصناعة الحدود بمعزل عن علم الكتابة، فهو (ممن حفظ شيئا وغابت عنه أشياء) فإذا عرفت فساد هذه الحدود بما لخصناه، فالمختار عندنا فى بيان ماهية الكناية أن يقال: هى اللفظ الدال على معنيين مختلفين، حقيقة ومجاز من غير واسطة، لا على جهة التصريح، ولنفسر مرادنا بهذه القيود، فقولنا اللفظ الدال يحترز به عن التعريض، فإنه ليس مدلولا عليه بلفظ، وإنما هو مفهوم من جهة الإشارة والفحوى كما سنقرر ماهيته من بعدها بمعونة الله تعالى، والتفرقة بينه وبين الكناية وقولنا على معنيين، يحترز به عما يدل على معنى واحد، فإنه