الأسى قلوبهم، وطول البكاء عيونهم، لكل باب رغبة إلى الله يد قارعة، يسألون من لا تضيق لديه المنادح، ولا يخيب عليه الراغبون.
ومن كلام له عليه السلام يصف فيه أهل النفاق قال فيه: أوصيكم عباد الله بتقوى الله، وأحذركم أهل النفاق، فإنهم الضالون المضلون، والزالون المزلون، يتلونون ألوانا، ويفتنون افتنانا، ويعمدونكم بكل عماد، ويرصدونكم بكل مرصاد، قلوبهم دوية، وصفاتهم نقية، يمشون الحفا، ويدنون الضرا، وصفهم دواء وقلوبهم شفاء، وفعلهم الداء العياء، حسدة الرخاء، ومؤكدو البلاء، ومقنطو الرجاء، لهم بكل طريق صريع، وإلى كل قلب شفيع، ولكل شجو دموع، يتقارضون الثناء، ويتراقبون الجزاء، إن سألوا ألحفوا، وإن عذبوا كشفوا، وإن حكموا أسرفوا، قد أعدوا لكل حق باطلا، ولكل قائم مائلا، ولكل حى قاتلا، ولكل باب مفتاحا، ولكل ليل صباحا، فهم لمة الشيطان، وحمة النيران، أولئك حزب الشيطان، ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون.
فانظر إلى كلامه فى الفريقين كيف أبرز من كل واحد منهما حقيقة حاله وميز أحدهما عن الآخر ومثله بأعجب مثاله، قد طابق بكلامه المراد، من غير نقصان فيه ولا ازدياد، وأقول لقد ضربت عليه البلاغة سرادقها، وأحاط من الفصاحة بمكنونها وأسرار حقائقها.
[المثال الرابع ما كان من كلام البلغاء فى ذلك]
وهذا كقول الفرزدق يمدح زين العابدين على بن الحسين:
هذا الذى تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم ... هذا التقى النقى الطاهر العلم
يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم «١»
ومن هذا قول البحترى:
ولو أن مشتاقا تكلف فوق ما ... فى وسعه لسعى إليك المنبر
فهذا مدح مقتصد ليس فيه إسراف ولا تقتير ولا ركب صاحبه إفراطا ولا تفريطا، ومن هذا قول بعضهم يهجو غيره: