ولنقتصر على هذا القدر فى التمثيل ففيه كفاية، فينحلّ من مجموع ما ذكرناه مفارقته للتشبيه بما أشرنا إليه، وأنه نوع من أنواع الاستعارة، على أن الاستعارة فى المفرد والمركب كما مهدناه من قبل، بخلاف التمثيل، فإنه إنما يرد فى المركب من الكلام كما أوضحناه فى هذه الأمثلة.
[تنبيه]
اعلم أن أرباب البلاغة وجهابذة أهل الصناعة مطبقون على أن المجاز فى الاستعمال أبلغ من الحقيقة، وأنه يلطف الكلام ويكسبه حلاوة، ويكسوه رشاقة، والعلم فيه قوله تعالى: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ
[الأحزاب: ٤٦] فلو استعمل الحقائق فى هذه المواضع، لم تعط ما أعطى المجاز من البلاغة، وهكذا فإن الاستعارة أبلغ مما يظهر فيه التشبيه؛ لأن قولك: جاءنى أسد. أبلغ من قولك: زيد كالأسد. لأنك جعلته فى الأول نفس الأسد وفى الثانى ليس إلا مشابهه لا غير، فأما الكناية، والتمثيل، فهما نوعا من أنواع الاستعارة، والاستعارة أعم فيهما كما أوضحناه من قبل، لكن الكناية مؤدية للحقيقة، والمجاز، بخلاف الاستعارة، والتمثيل، من حقه أن يرد فى المركبات، فلأجل هذا كانا جميعا. أعنى الكناية والتمثيل.
أخص من الاستعارة، وقد نجز غرضنا من تقرير الباب الأول وهو حصر قواعد المجاز، وإظهار أمثلتها وأحكامها، وأشرع الآن فى الباب الثانى مستعينا بالله ومتوكلا عليه.