[البحث الثالث فى مراعاة المحاسن المتعلقة بمفردات الألفاظ]
اعلم أن هذا البحث متعلقه اللفظة الواحدة على انفرادها، وهو مخالف لما سبق مما أودعناه البحث الثانى، لأنه نظر يختص مفردات الحروف، وكيفية تأليفها فلا جرم كان مخالفا لما قبله، واعلم أن من الناس من زعم أنه لا قبيح فى الألفاظ وأنها كلها حسنة لأن الواضع لا يضع إلا الحسن، وهذا فاسد لأمرين أما أولا فلأنه لو كان الأمر كما زعموه لكان لا تقع التفرقة بين الألفاظ فى الأبنية، والأوزان، والخفة، والثقل، ولما عرفنا تفاوتها فى ذلك تحققنا أن منها ما يكون فى غاية الرقة واللطافة، ومنها ما يكون فى نهاية الثقل والبشاعة، وأما ثانيا: فلأنه كان يلزم أن لا تقع التفرقة بين الشاذ، والمألوف، والنادر، والمستعمل، من جهة الوضع، فلما كان الأمر فى ذلك ظاهرا بطل ما توهموه. ولنضرب فى ذلك أمثلة ثلاثة توضح المقصود:
المثال الأول: أسماء الخمر كثيرة ترتقى إلى خمسين اسما كلها متفاوتة فلفظ الخمر أحسن من قولنا زرجون وإسفنط، ولفظ السلافة أعجب من قولنا قرقف وخندريس.
المثال الثانى: فى أسماء الأسد وهى كثيرة فقولنا: أسد أحسن من قولنا: فدوكس، وهرماس، وقولنا: ورد، وهزبر، أحسن من قولنا غضنفر وما ذاك إلا من أجل اختصاص بعض الألفاظ برقة ورشاقة تخالف اللفظ الآخر.
المثال الثالث: فى أسماء السيف فإن لفظ الصارم، والمهند، والسيف، أحسن من لفظ خنشليل فمثل هذا كيف يمكن دفعه، وأنت إذا تأملت جميع ما ورد من ألفاظ التنزيل والسنة الشريفة وجدتهما على نهاية الكمال فى مراعاة الألفاظ الرقيقة والخفيفة والمألوفة، فإذا تمهدت هذه القاعدة فاعلم أن الفصاحة فى الألفاظ المفردة يجب أن تكون مختصة بخصائص:
الخاصة الأولى: أن تكون اللفظة عربية قد تواضع عليها أهل اللغة، لأن الفصاحة والبلاغة مخصوصان بهذا اللسان العربى دون سائر اللغات من الفارسية والرومية والتركية فلا مدخل لهذه الألسنة فى فصاحة وبلاغة، نعم ليس بمنكر استعمال شىء من هذه اللغات على جهة التعريب له، وقد ورد فى القرآن الكريم استعمالها، وحسن موقعها لما