عربت واستعملها العرب كما ورد فى «السجيل» و «الإستبرق» و «المشكاة» وورد فى اللغة العربية «كاللجام» و «الفرند» و «الإسفنط» وغير ذلك، وقد أنكر أبو بكر الباقلانى أن يكون فى القرآن شىء من غير لغة العرب، وهذا خطأ. فإن هذه الألفاظ لا يمكن إنكار ورودها فى القرآن ولا يسمع جعلها من لغة العرب، فإنها غير جارية على قياسها فى الأوزان والأبنية.
الخاصة الثانية: أن تكون جارية على العادة المألوفة فلا تكون خارجة عن الاستعمال، فتكون شاذة عن الاستعمال المطرد فى معناها، وبنائها، وإعرابها، وتصريفها، لأن كل واحد من هذه الأمور له قياس يحصره، ومعيار يضبطه يجرى على مطرد القياس والعادة المألوفة، ولأن الفصاحة إنما تكون إذا كان اللفظ جاريا على ما ذكرناه فلأجل هذا وجب مراعاة ما ذكرناه وأنت إذا تصفحت آى القرآن وألفاظ السنة النبوية وجدتها كلها جارية على المعيار الذى لخصناه ولا تخرجان عنه بحال، فما خالف أوضاع اللغة فهو مردود، كمن يضع لفظ السماء يريد به الأرض، وما خالف الأبنية المقيسة فهو مردود أيضا، وما كان أيضا مخالفا للأقيسة الإعرابية فى رفع الفاعل ونصب المفعول ومخالفا للأقيسة التصريفية من قلب الواو والياء المفتوح ما قبلها ألفا، فهو لحن مردود، والكلام الفصيح مجنّب عما ذكرناه.
الخاصة الثالثة: أن تكون تلك اللفظة خفيفة على الألسنة لذيذة على الأسماع حلوة فى الذوق، فإذا كانت اللفظة بهذه الصفات فلا مزيد على فصاحتها وحسنها، ولهذا فإن ألفاظ القرآن يخف جريها على اللسان وتلذها الأسماع ويحلو مذاقها، وما كان على خلاف ما ذكرناه فلا مزيد على قبحه، ومخالفته لمنهاج الفصاحة والبلاغة جميعا فيما يكون ثقيلا على الألسنة كريها وحشيا فى غاية البشاعة، ولنضرب له أمثلة:
المثال الأول: لفظة «جحيش» فإنه وقع فى شعر «تأبط شرا» فى أبيات الحماسة فى قوله:
يظل بموماة ويمسى بغيرها ... جحيشا ويعرورى ظهور المهالك «١»
فإنها قبيحة جدا، ونظيرها قولنا:«فريد» فإنه بمعناها، وبينهما بون لا يدرك بقياس.