أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن قال فيم فقد ضمنه، ومن قال علام فقد أخلى منه، فانظر إلى هذا التوحيد الذى لم يسبق إليه، وإلى هذا الإخلاص الذى لم يزاحم عليه، بل استبد به من بين سائر الخلائق، وتميز بالإحاطة والاستيلاء على تلك الحقائق، وقد أشرنا إلى هذه الرموز بهذه الأحرف وكيفية دلالتها على التوحيد، والتنزيه فى كتابنا الديباج الذى أمليناه شرحا لكلامه فليطالع من هناك، ثم قال: أنشأ الخلق إنشاء، وابتدأه ابتداء بلا روية أجالها، ولا تجربة استفادها، ولا حركة أحدثها، ولا همامة نفس اضطرب فيها، فهذه نكتة شريفة من كلامه أشار فيها إلى التوحيد، وخلق العوالم كلها وإبداع المكونات.
[النكتة الثانية فى الإشارة من كلامه إلى خلق السموات:]
ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء وشق الأرجاء وسكائك الهواء، فأجرى فيها ماء متلاطما تياره، متراكما زخاره، حمله على متن الريح العاصفة، والزعزع القاصفة، فأمرها برده، وسلطها على شده، وقرنها إلى حده، الهوى من تحتها فتيق، والماء من فوقها دفيق، ثم أنشأ سبحانه ريحا اعتقم مهبها، وأدام مريها، وأعصف مجراها، وأبعد منشاها، فأمرها بتصفيق الماء الزخار، وإثارة موج البحار، فمخضته مخض السقاء، وعصفت به عصفها بالفضاء، ترد أوله على آخره، وساجيه على مائره، حتى عب عبابه، ورمى بالزبد ركامه، فرفعه فى هواء منفتق، وجو منفهق، فسوى منه سبع سموات، جعل سفلاهن موجا مكفوفا، وعلياهن سقفا محفوظا، وسمكا مرفوعا بغير عمد يدعمها، ولا دسار ينظمها، ثم زينها بزينة الكواكب، وضياء الثواقب، وأجرى فيها سراجا مستطيرا، وقمرا منيرا، فى فلك دائر، وسقف سائر، ورقيم حائر، فهذه نبذة من كلامه أشار بها إلى كيفية إبداع السموات
[النكتة الثالثة فى صفة الأرض ودحوها على المآء]
قال: كبس الأرض على مور أمواج مستفحلة ولجج بحار زاخرة تلتطم أواذى أمواجها، وتصفق متقاذفات أثباجها، وترغو زبدا كالفحول عند هياجها، فخضع جماح الماء المتلاطم لثقل حملها، وسكن هيج ارتمائه إذ وطئته بكلكلها، وذل مستخذيا إذ تمعكت عليه بكواهلها، فأصبح بعد اصطخاب أمواجه ساجيا مقهورا، وفى حكمة الذل منقادا أسيرا، وسكنت الأرض مدحوة فى لجة تياره، وردت من نخوة