للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ

[النور: ٤٠] فشبه حال الكفرة فيما هم فيه من الكفر والجحود والإصرار والتمادى على الباطل، بظلمات بعضها فوق بعض فلا يدرك لها حالة فى النور ولا يهتدى إليه.

[الطرف الرابع فى حكم التشبيه]

وربما كان قريبا، وربما كان بعيدا، وتارة يكون واضحا، ومرة يكون خفيا، وربما كان غريبا وحشيا، وربما كان مألوفا، وقد قررنا أمثلة البعيد والقريب، والواضح الجلى، فى قاعدة التشبيه فى صدر هذا الكتاب فأغنى عن تكريره، واعلم أن جميع التشبيهات الواردة فى كتاب الله تعالى خالية عن هذه الشوائب كلها، أعنى الغرابة والبعد فى مفرداتها ومركباتها لا يعترضها شىء من هذه العوارض فى التشبيهات الواردة فى غيرها، والحمد لله.

فأما المفردة فهى كل ما كان التشبيه فيها حاصلا باعتبار صورة بصورة، أو معنى بمعنى من غير زيادة، وهذا كقوله تعالى: فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (٣٧)

[الرحمن: ٣٧] فشبه السماء يوم القيمة بالدهان، وهو الجلد الأحمر ونحو قوله تعالى: فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌ

[النمل: ١٠] فشبه العصا بالجان لا غير، من غير زيادة وهى كثيرة فى القرآن، أعنى التشبيهات المفردة، وهى فى ورودها على جهة القرب فى تشبيهها غير بعيدة ومألوفة غير مستنكرة، قد حازت من اللطافة والرقة ما لا يخفى حاله على ناظر، ومثال البعيد تشبيه الفحم إذا كان فيه جمر، ببحر من مسك موجه ذهب، ونحو تشبيه الدم بنهر من ياقوت، فما هذا حاله يصعب وجوده إلا على جهة التصور، ومثال الخفى تشبيه الأمور المحسوسة بالمعانى، كما شبّهت النجوم فى الظلام بالسنن خالطتهن البدعة، فما هذا حاله من التشبيهات خال عن تشبيهات القرآن العظيم وبمعزل عنها كما قلناه.

«وأما» المركبة فكقوله تعالى: وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ

[إبراهيم: ٢٦] وقوله تعالى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ

[البقرة: ١٧١] وقوله تعالى:

مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً

[الجمعة: ٥] وحاصل المركبة أنها فى مقصود التشبيه، تشبيه أمرين بأمرين، أو أكثر، إلى غير ذلك من التركيبات، ومن تشبيه المفرد بالمركب قوله تعالى: مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ

[النور: ٣٥] فشبه النور المفرد بالمشكاة المركبة من هذه الأجزاء والأوصاف، فأما تشبيه المركب بالمفرد فلم أجد فى القرآن مثالا له، وما ذاك إلا

<<  <  ج: ص:  >  >>