[الحالة الثانية: حذفه،]
وهو يكون على أوجه ثلاثة، أولها
[الوجه الاول] أن يكون جوابا
كقولك: من جاءك، فتقول زيد، أى جاءنى زيد، وإنما جاز حذفه لأجل القرينة الحالية، فلأجل هذا كانت مغنية عن ذكره، قال الله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ
[الزمر: ٣٨] وتقديره خلقهن الله، وقال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللَّهُ
[العنكبوت: ٦٣] والمعنى نزله الله فهذان الفعلان قد حذفا، اتكالا على القرينة الدالة عليهما
[الوجه الثانى] وثانيها أن يكون المسلط على حذفه هو كثرة الاستعمال مع قيام حرف الجر مقامه،
ومثال ذلك قولنا «بسم الله» فإنه إنما يذكر للتبرك عند كل فعل من الأفعال، فإن الفعل ههنا يكون محذوفا، لما ذكرناه من الكثرة، وهكذا فى مثل قولهم «بالرفاء والبنين» دعاء للعرس، والمعنى نكحت، أو تزوجت بالرفاء والبنين،
[الوجه الثالث] وثالثها أن يكون هناك ما يدل على الفعل المحذوف،
مما يشعر بالفعل، كحرف الشرط فى نحو قولهم «إن ذو لوثة لآنا» والمعنى إن لان ذو لوثة لانا، وقولهم «لو ذات سوار لطمتنى» والتقدير لو لطمتنى ذات سوار، قال الله تعالى: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي
[الإسراء: ١٠٠] لأن التقدير فيه: لو تملكون، فلما حذف الفعل انفصل الضمير لا محالة، وقوله تعالى: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ
[النساء: ١٧٦] أى هلك امرؤ هلك، والذى جرّا على حذفه هو دلالة حرف الشرط عليه، لأن الشرط إنما يتصل بالفعل لا غير ويختص به.
[الحالة الثالثة: تعلق الشرط به،]
واعلم أن جميع الشروط كلها مختصة بالأفعال، لأنها تتجدد، والأفعال متجددة، فلا جرم ناسب معناها الفعل فاختصت به، فإن الشرطية، لا تقع إلا فى المواضع المحتملة المشكوك فيها، قال الله تعالى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها
[الأنفال: ٦١] وقال تعالى: وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ
[فاطر: ٤] وقال تعالى: فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ
[المائدة: ٤٢] فإن استعملت فى مقام القطع، فإما أن يكون على جهة التجاهل وأنت قاطع بذلك الأمر، ولكنك ترى أنك جاهل به، وإما على أن المخاطب ليس قاطعا بالأمر، وإن كنت قاطعا به، كقولك لمن يكذبك فيما تقوله وتخبر به: إن صدقت فقل لى ماذا تفعل، وإما لتنزيل المخاطب منزلة الجاهل، لعدم جريه على موجب العلم، وهذا كما يقول الأب لابن لا يقوم بحقه: إن كنت أباك فاحفظ لى صنيعى فيك.