وهو تفعيل من التجانس وهو التماثل، وإنما سمى هذا النوع جناسا لأن التجنيس الكامل أن تكون اللفظة تصلح لمعنيين مختلفين فالمعنى الذى تدل عليه هذه اللفظة هى بعينها تدل على المعنى الآخر من غير مخالفة بينهما، فلما كانت اللفظة الواحدة صالحة لهما جميعا كان جناسا، وهو من ألطف مجارى الكلام ومن محاسن مداخله، وهو من الكلام كالغرة فى وجه الفرس، فالجنس فى اللغة هو الضرب من الشىء وهو أعم من النوع، والمجانسة المماثلة، وسمى هذا النوع جناسا لما فيه من المماثلة اللفظية، وزعم ابن دريد أن الأصمعى يدفع قول العامة هذا مجانس لهذا ويقول إنه مولد، وحقيقته فى مصطلح علماء البيان هو أن يتفق اللفظتان فى وجه من الوجوه ويختلف معناهما، فما هذا حاله عام فى التجنيس التام، والتجنيس الناقص، ثم إنه ينقسم قسمين نورد ما يتعلق بكل واحد منهما بأمثلته بمعونة الله تعالى.
القسم الأول [التجنيس التام]
ويقال له المستوفى، والكامل، وهو أن تتفق الكلمتان فى لفظهما، ووزنهما، وحركتهما، ولا يختلفان إلا من جهة المعنى، وأكثر ما يقع فى الألفاظ المشتركة، ومثاله من كتاب الله تعالى: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ
[الروم: ٥٥] وليس فى القرآن من التجنيس الكامل إلا هذه الآية، فالساعة الأولى عبارة عن القيامة، والساعة الثانية هى واحدة الساعات، لكنهما اتفقا لفظا فلهذا كان جناسا تاما، ومن السنة النبوية قوله صلى الله عليه وآله لما نازع الصحابة جرير بن عبد الله فى أحد زمام ناقة الرسول صلّى الله عليه وسلّم أيهم يقبضه، فقال عليه السلام: خلوا بين جرير، والجرير لا يقال كيف يكون ما ذكرتموه من الكتاب والسنة مثالا للتجنيس التام مع اختلافهما فى التعريف والتنكير، لأنا نقول هذا فيه وجهان، أحدهما أن يقال إنه لم يقع الاختلاف إلا فى لام للتعريف وهى زائدة، وما هذا حاله فليس مغيّرا للتمثيل، وثانيهما أن يقال كما أن اختلاف الحركة يبطل جعله من التجنيس التام فهكذا زيادة الحرف تخرجه عن التجنيس