اعلم أنك إذا أردت تشبيه الشىء بغيره فإنما تقصد به تقرير المشبه فى النفس، بصورة المشبه به، أو بمعناه. فيستفاد من ذلك البلاغة فيما قصد به من التشبيه على جميع وجوهه من مدح، أو ذم، أو ترغيب، أو ترهيب، أو كبر، أو صغر، أو غير ذلك من الوجوه التى يقصد بها التشبيه وتراد للإيجاز أيضا والاختصار فى اللفظ من تعديد الأوصاف الشبهية، وتراد للبيان والإيضاح أيضا، فهذه مقاصد ثلاثة نفصلها بمعونة الله تعالى.
[المقصد الأول فى إفادته للبلاغة]
، وهذا كقوله تعالى: وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ
[الرحمن: ٢٤] فشبه السفن الجارية على ظهر البحر بالجبال، فى كبرها وفخامة أمرها على جهة المبالغة فى ذلك، وهكذا القول فى جميع تصرفات التشبيه، فإنه لا ينفك عن إفادة البلاغة، وإلا لم يكن تشبيها، لأن إفادته للبلاغة هو مقصده الأعظم، وبابه الأوسع، ولهذا فإنك لا تكاد تجد تشبيها خاليا عن مقصود البلاغة على حال، وكلما كان الإغراق فى التشبيه والإبعاد فيه وكونه متعذر الوقوع والحصول، كان أدخل فى البلاغة، وأوقع فيها، وهذا نحو تشبيه نور الله تعالى بنور المصباح فى المشكاة، سواء قلنا: إن المشبه هو نور الله تعالى كما هو الظاهر من الآية، أو هو نور الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فالمقصود هو البلاغة فى ذلك، كما قال بعضهم فى وصف الخمر:
وكأنها وكأن حامل كأسها ... إذ قام يجلوها على الندماء
شمس الضحى رقصت فنقّط وجهها ... بدر الدجى بكواكب الجوزاء
فانظر إلى ما أبدعه فى المبالغة بهذا التشبيه، حيث شبه الساقى بالبدر، وشبه الخمر بالشمس، وشبه حببها بالكواكب إغراقا فى ذلك، ومبالغة فيه، وكما قال بعض الشعراء:
فى وصف الشقائق على أعوادها إذا حركتها الريح فتارة تستقيم، وتارة تعوج قال: