والاستغراب من ابن الأثير، حيث أورد فى كتابه المثل طرفا وعجائب وحكايات فى المنظوم والمنثور عن أهل البلاغة، وحكى عن نفسه ما كان منه من التقليدات والكتب، والرسائل والتهانى والتعازى حتى ملأ كتابه مما كان منه من ذلك، وأعجب بحاله وأمره فيما هنالك غاية الإعجاب، وما درى أن الإعجاب ضد الصواب، وأغفل على كثرة ما نقل كلام أمير المؤمنين فى الخطب والرسائل، والكتب الوجيزة، ومعانى التوحيد التى أشار إليها، ودقائق البلاغة، وأسرار الحكم فى طويل الكلام وقصيره، مع أنه لا غاية فى البلاغة إلا وقد بلغها، ولا نهاية إلا وقد تجاوزها، ولقد كان الاقتصار على كلام أمير المؤمنين فيه شفاء كل علة، وبلال كل غلة، وما أحقه بكلام أبى الطيب المتنبى:
خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به ... فى طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل
[الضرب الخامس فيما ورد من التعريضات الشعرية]
فمن ذلك ما قاله الشميذر الحارثى:
بنى عمنا لا تذكروا الشعر بعد ما ... دفنتم بصحراء الغمير القوافيا
فليس قصده مما قال الأبيات الشعرية، ولكنه قصد تعريفهم بما كان جرى فى ذلك الموضع من الظهور عليهم والقتل لأشرافهم، فذكر الشعر، وجعله تعريضا، أى لا تفخروا بعد تلك الوقعة، ومن ذلك ما قاله امرؤ القيس:
فهذا جعله للتعريض عن الجماع، وقد عده بعض علماء البيان كالفاغى والعسكرى، من الكناية، وهو محتمل لهما جميعا، ولأجل تقاربهما تكاد أن تختلط أمثلة أحدهما بالآخر كما سنذكر التفرقة بينهما بمعونة الله تعالى، ومن التعريض الرائق ما قاله نصر بن سيار فى شحذ عزائم بنى أمية بإدراك الثأر، والانتقام لمن أرادهم: