وهو افتعال من قولهم ألّف الخرز بعضها إلى بعض إذا جمعها، وهو يأتى على أوجه أربعة،
[الوجه الأول منها تأليف اللفظ مع المعنى،]
وهو أن تكون الألفاظ لائقة بالمعنى المقصود ومناسبة له، فإذا كان المعنى فخما كان اللفظ الموضوع له جزلا، وإذا كان المعنى رقيقا كان اللفظ رقيقا، فيطابقه فى كل أحواله، وهما إذا خرجا على هذا المخرج وتلاءما هذه الملائمة وقعا من البلاغة أحسن موقع، وتألفا على أحسن شكل وانتظما فى أوفق نظام، وهذا باب عظيم فى علم البديع، وجاء القرآن الكريم على هذا الأسلوب، فإذا كان المعنى وعيدا وزجرا أو تهديدا، أو إنزال عذاب، أو إيقاع واقعة، أتى فيه بالألفاظ الغريبة الجزلة، وإذا كان المعنى وعدا وبشارة، أتى فيه بالألفاظ الرقيقة العذبة وهذا كقوله تعالى: قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (٨٥)
[يوسف: ٨٥] فلما كان مفخّما للخطب ومهولا له وخيف على يعقوب عليه السلام من دوام حزنه وطول أسفه جاء بالألفاظ الغريبة كقوله «تفتؤ»«والحرض» ، هو الإشفاء على الهلاك يقال حرض المريض إذا دنا من الهلاك، وكما قال زهير:
أثافى سفعا فى معرّس مرجل ... ونؤيا كجذم الحوض لم يتثلّم «١»
فلمّا عرفت الدّار قلت لربعها ... ألا انعم صباحا أيها الربع واسلم «٢»
فالبيت الأول ألفاظه غريبة لما كان المعنى المقصود جزلا لكونه غير معروف مجهولا حاله، فلمّا عرفه أتى فى البيت الثانى بما يلائم المعنى من رقة اللفظ وحسنه ورشاقته لما فيها من البيان والظهور وكثرة الاستعمال.
[الوجه الثانى ائتلاف اللفظ مع اللفظ]
وهو أن تريد معنى من المعانى تصح تأديته بألفاظ كثيرة ولكنك تختار واحدا منها لما يحصل فيه من مناسبة ما بعده وملائمته، ومثاله قول البحترى فى وصف الإبل بالهزال:
كالقسىّ المعطّفات بل ال ... أسهم مبريّة بل الأوتار «٣»