للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضرب الثانى ما حسن فى الصورة من التشبيه، [التشبيه الحسن]

وهذا باب عظيم، قد اتسع فيه كلام البلغاء وأتوا فيه بكل حسن بديع، وتهالكوا فى دقة المعانى، ولطائف التشبيه، فمن ذلك ما قال امرؤ القيس فى صفة الفرس:

على الذيل جياش كأن اهتزامه ... إذا جاش فيه حميه غلى مرجل

وقوله:

درير كخذروف الوليد أمرّه ... تتابع كفيه بخيط موصل

ومن ذلك ما قاله ابن دريد فى صفة الفرس أيضا:

كأنما الجوزاء فى أرساغه ... والنجم فى جبهته إذا بدا

وقال فى صفة ماء خال:

كأنما الريش على أرجائه ... زرق نصال أرهفت لتمتها

ومن ذلك ما قاله أبو الطيب المتنبى فى سيف الدولة وابنه:

أما ترى ما أراه أيها الملك ... كأننا فى سماء ما لها حبك

الفرقد ابنك والمصباح صاحبه ... وأنت بدر الدجى والمجلس الفلك

وقال يمدح سيف الدولة:

أرى كل ذى ملك إليك مصيره ... كأنك بحر والملوك جداول

وقال فيه أيضا:

ولا ملك إلا أنت والملك فضلة ... كأنك نصل فيه وهو قراب

ومن رقيق التشبيه وبديعه ما قاله الصابى فى صفة الخمر:

كأن المدير لها باليمين ... إذا طاف بالكأس أو باليسار

تدرع ثوبا من الياسمين ... له فردكمّ من الجلّنار

فشبه حمرة كميه عند حمله للكأس من لونها، بلابس قميصا من الياسمين إحدى كميه من الجلنار، وهذا تشبيه حسن بالغ، ومن أبياته يشبه فيها مجلس اللهو بالمعركة قال:

كأن المجامر خيل جرت ... وقد ثار للند فيها غبار

دبادبة من طوال القيان ... والناى بوق له مستعار

ومجلسنا حومة أرهجت ... لزحف الندامى إليها بدار

ولنقتصر على هذا القدر من محاسن التشبيه ففيه غنية وكفاية لمقدار غرضنا، وستكون لنا فيه عودة عند ذكر الأمثلة بمعونة الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>