وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ
[الإسراء: ٢٤] فالمستعار منه هو الطائر، والمستعار له هو الولد، والجامع بينهما هو لين العريكة وانحطاط الجانب، وهو معقول غير محسوس، ومن هذا قوله تعالى: إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (٤٢)
[الذاريات: ٤٢] والرميم هو العظم البالى، استعير للإهلاك، والأمثلة فى التنزيل أكثر من أن تحصى بجانب الاستعارة.
[الضرب الثانى استعارة معقول من معقول بواسطة أمر معقول]
وهذا كقوله تعالى: مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا
[يس: ٥٢] فالمستعار هو الرقاد، والمستعار له هو الموت، والجامع بينهما هو سكون الأطراف وبطلان الحركة، وهكذا قوله تعالى:
وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ
[الأعراف: ١٥٤] فوصف الغضب بالسكوت على جهة الاستعارة، فالمستعار هو السكوت، والمستعار له هو الغضب، والجامع بينهما هو زوال الغضب، كما أن السكوت زوال الكلام، وهذه كلها أمور عقلية، ومن هذا قوله تعالى:
تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ
[الملك: ٨] فالتّميز ههنا هو شدة الغضب، فالمستعار منه هو حالة الإنسان عند غضبه، استعيرت للنار عند شدة تلهبها، والجامع بينهما هو الحالة المتوهّمة عند شدة الغيظ، فهى مستعارة للنار، اللهم أجرنا منها برحمتك الواسعة.
ومن هذا قوله تعالى: وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (٢٣)
[الفرقان: ٢٣] ففيه استعارتان، الأولى فيهما قوله تعالى: وَقَدِمْنا
فإنما يستعمل فى حق الغائب، فاستعير لعرض أعمال الكفار على الله تعالى، والجامع بينهما أمر معقول، وهو تصييرها إلى البطلان والتلاشى، والثانية قوله تعالى: فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (٢٣)
والهباء حقيقته، الغبار الثائر من الأرض عند دخول الشمس من الكوة، وهو مستعار للأعمال الباطلة، والجامع بينهما هو التلاشى والبطلان، وهذان المثالان حسيان، لكنا إنما أوردناهما فى هذا الضرب وإن كان استعارة المعقول من المعقول، لما كان الجامع بينهما أمرا معقولا كما ترى.
[الضرب الثالث استعارة المحسوس للمعقول]
ومثاله قوله تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ
[الأنبياء: ١٨] والغرض من هذا