وهذا نحو قوله تعالى: إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ
[التوبة: ٥٠] فالمصيبة مخالفة للحسنة من غير مضادة، إلا أن المصيبة لا تقارب الحسنة، وإنما تقارب السيئة، لأن كل مصيبة سيئة، وليس كل سيئة مصيبة، فالتقارب بينهما من جهة العموم والخصوص، وهكذا قوله تعالى: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ
[الفتح: ٢٩] فإن الرحمة ليست ضدّا للشدة، وإنما ضد الشدة اللين، خلا أنه لما كانت الرحمة من مسببات اللين، حسنت المطابقة بينهما، وكانت المقابلة لائقة ومن هذا ما قاله بعض الشعراء:
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ... ومن إساءة أهل السوء إحسانا
فقابل الظلم بالمغفرة، وليس ضدا لها، وإنما ضده العدل، إلا أنه لما كانت المغفرة قريبة من العدل من جهة أن العدل إنصاف الغير بما يجب له أو يستحق عليه أو ترك ما لا يستحق عليه، والعفو هو المغفرة وهو الصفح والتجاوز، وهو أعظم أنواع العدل وأعلاها حسنت المطابقة أيضا.
[الوجه الثانى ما لا يكون بينهما مقاربة وبينهما بعد، لا يتقاربان، ولا مناسبة بينهما،]
ومثاله ما قاله أبو الطيب المتنبى «١» :
لمن تطلب الدنيا إذا لم ترد بها ... سرور محبّ أو إساءة مجرم
فالمقابلة الصحيحة أن تكون بين محب ومبغض، لا بين محب ومجرم، فإن بين المحب والمجرم تباعدا كبيرا، فإنه ليس كل من أجرم إليك فهو مبغض لك، ومما يجرى هذا المجرى ما قاله بعض الشعراء:
فكم من كريم قد مناه إلهه ... بمذمومة الأخلاق واسعة الهن
فقوله: بمذمومة الأخلاق واسعة الهن، من باب المقابلة البعيدة التى لا مناسبة فيها وكان الأخلق «بضيّقة الأخلاق واسعة الهن» .
[الضرب الرابع المقابلة للشىء بما يماثله]
وذلك يكون على وجهين:
[الوجه الأول منهما مقابلة المفرد بالمفرد،]
وهذا كقوله تعالى: