[النوع الثالث ما ورد من كلام أمير المؤمنين كرم الله وجهه،]
فممّا ورد من كلامه على جهة الإيجاز قوله فى التوحيد كل ما حكاه الفهم، أو تصوره الوهم فالله تعالى بخلافه، فهذه الكلمة على قصرها وتقارب أطرافها قد جمعت محاسن التنزيه لذات الله تعالى عما لا يليق بها من مشابهة الممكنات ومماثلة المحدثات، لأن الوهم إنما يتصور ما له نظائر فى الوجود، والله تعالى ليس لذاته مماثل، ولا يعقل له مشابه، وكلامه هذا دال على أن حقيقة ذاته ليس معلومة للبشر، ولهذا قال: كل ما حكاه الفهم، يشير به إلى أن العقول قاصرة عن تصور تلك الماهية وتعقل أصل تيك المفهومية، وهذا هو المختار عندنا كما قررناه فى المباحث العقلية، وإليه يشير كلام الشيخ أبى الحسين البصرى من المعتزلة وهو الرجل فيهم، وهو رأى الحذاق من الأشعرية كأبى حامد الغزالى وابن الخطيب الرازى وغيرهم من جملة المتكلمين، خلافا لطوائف من المعتزلة والزيدية. ومن الكلمات الوجيزة قوله عليه السلام:«التوحيد ألّا تتوهمه والعدل ألّا تتّهمه» هاتان الكلمتان قد جمعتا وحازتا علوم التوحيد على كثرتها، وعلوم الحكمة على غرارتها، بألطف عبارة وأوجزها ولو لم يكن فى كلام أمير المؤمنين فى علوم التوحيد والعدل إلا هاتان الكلمتان لكانتا كافيتين فى معرفة فضله، وإحرازه لدقيق علم البلاغة وجزله، فضلا عما وراءهما من بوالغ الحكم الدينية، ونواصع الآداب الحكمية، وقد أشرنا إلى لطائف كلامه وأوضحنا ما رزقنا الله من علوم أسراره فى شرحنا لكتاب نهج البلاغة، وإنه لكتاب جامع للصفات الحسنى وحائز لخصال الدين والدنيا، وأما الإطناب فهو أوسع ما يكون وأكثر فى خطبه وكتبه، وما ذاك إلا لما تضمنه من المعانى واشتماله على الجم الغفير من النكت والأسرار، ولننقل من كلامه نكتا تكون فى الأيام غررا وفى نحو الرواة ذررا.
[النكتة الأولى فى التوحيد]
قال: أول الدين معرفته، وكمال معرفته توحيده، وكمال توحيده التصديق به، وكمال التصديق به الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفى الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله، ومن