فأما الإيجاز فمثاله قوله صلّى الله عليه وسلّم حكاية عن الله تعالى:
أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، بله ما ادخرت لهم، وفى حديث آخر فى الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب أحد، إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة على جهة الإجمال، وأما الإطناب فكقوله صلّى الله عليه وسلّم:«من لذّذ أخاه بما يشتهيه رفع الله له ألف ألف درجة وكتب له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة وأطعمه من ثلاث جنان، من جنة الفردوس، ومن جنة الخلد، ومن جنة عدن» ، ومن ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم:«من سقى مؤمنا شربة سقاه الله من الرحيق المختوم، أو قال من نهر الكوثر، ومن كسا مؤمنا كساه الله من سندس الجنة، ومن أطعم مؤمنا لقمة أطعمة الله من طيبات الجنة وفواكهها» وقوله صلّى الله عليه وسلّم فى الإيمان إنه بضع وسبعون بابا أعلاه لا إله إلا الله وأدناه إماطة الأذى عن الطريق، فهذا وما شاكله من باب الإيجاز الرائق والاختصار الفائق لاندراج الخصال الكثيرة والشعب المنتشرة تحت ما ذكره فى حق الإيمان. ومن الإطناب قوله صلّى الله عليه وسلّم:«لا يكمل إيمان العبد بالله، حتى يكون فيه خمس خصال، التوكل على الله، والتفويض إلى الله، والتسليم لأمر الله، والرضا بقضاء الله، والصبر على بلاء الله، إنه من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان» ، فانظر إلى ذكره تلك الخصال الخمس التى جعلها أصلا فى كمال الإيمان كيف أردفها بما هو كالثمرة لها، والمصداق لأمرها بقوله: إنه من أحب لله، لأن كل من كملت فيه تلك الخصال فلا شك فى كون أعماله تكون لله من حب أو بغض أو إعطاء أو منع، ومن الإطناب الحسن قوله صلّى الله عليه وسلّم:«إن العبد لا يكتب فى المسلمين حتى تسلم الناس من يده ولسانه، ولا يعد من المؤمنين حتى يأمن أخوه بوائقه، وجاره بوادره، ولا ينال درجة المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذارا ما به البأس» ، ومن الإيجاز الرشيق قوله صلّى الله عليه وسلّم فى طلب الرزق:«إن الرزق ليطلب الرجل كما يطلبه أجله» ، وقوله صلّى الله عليه وسلّم:«الرزق رزقان رزق تطلبه ورزق يطلبك» ، ومن الإطناب قوله صلّى الله عليه وسلّم:«يابن آدم تؤتى كل يوم برزقك وأنت تحزن وينقص كلّ يوم من أجلك وأنت تفرح تعطى ما يكفيك وتطلب ما يطغيك، لا من كثير تشبع، ولا بقليل تقنع» ، فأصغ سمعك أيها الناظر إلى هذا الإطناب البالغ فى الموعظة كل غاية، والمتجاوز فى النصيحة كل حد ونهاية.