أمرها فى الثبوت والاستقرار، فعلى هذين التأويلين وردت القراءتان فى نصب اللام، ورفعها، فالنصب يؤيد التأويل الأول، فتكون اللام مؤكدة للجحد، والرفع يؤيد التأويل الثانى، وتكون اللام فيها هى الفارقة بين المؤكدة، والنافية، وتكون القراءة بالرفع فى قوله «لتزول» دالة على التخييل، كأنها لعظم دخولها فى الإنكار واغراقها فيه. بمنزلة قلع الجبال، وإزاحة الصخور، ونظيره قوله تعالى: تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً
[مريم: ٩٠، ٩١] وهذا وارد على جهة الكثرة، ومنه قول أمير المؤمنين كرم الله وجهه لولده محمد بن الحنفية لما عقد له الراية فى معسكر: أعز الله حجتك وأيد فى الأرض قدكم، تزول الجبال الرواسى ولا تزول.
وأما [المركبة]
فأكثر ورود الكناية عليها، وهذا كقولك: الكرم فى برديه، والمجد بين ثوبيه، والعفاف فى عطفيه، وهذا كله فى المدح، فأما الكناية فى الذم فكقولهم «إنك لعريض الوساد» كما ورد فى الحديث عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أنه لما نزل قوله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ
[البقرة: ١٨٧] جعل عدى بن حاتم خيطين فى يده، أحدهما أسود والآخر أبيض، علامة للفجر، فحكى ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأخبره بما فعل، فقال له الرسول:«يا عدى. إنك لعريض الوساد» ، وهو كناية عن بله الإنسان، وقلة فطانته، ونقصان كياسته، وقولهم «فلان عريض القفا» يجعلونه كناية عن فهاهته وقلة ذكائه، ومنه قول أمير المؤمنين لبعض الناس «وإنه لمزهو فى عطفيه، مختال فى برديه، تفاق فى شراكيه» يشير بذلك إلى حمقه وخيلائه، فجعل ذلك كناية عنه.
نعم ورود الكناية إنما هو على جهة التشبيه عند التأمل والنظر، فإذا وردت على طريقة التركيب كانت أشد ملاءمة، وأعظم بلاغة، وإذا وردت على صورة الإفراد لم يكن لها تلك المزية التى حصلت للمركبة، ومثاله أنك إذا قلت فى الكناية المركبة، فلان نقى الثوب، وأردت إيراده على صورة المشابهة، فإنك تقول هو فى نزاهة العرض من العيوب كنزاهة الثوب من الأدناس، فإذا حصل على هذا التأليف اتضحت المشابهة ووجدت المناسبة وظهر أمر الكناية، وإذا قلت فى الكناية المفردة، اللمس، فى الجماع لم تكن فى تلك الدرجة من المناسبة وقوة المشابهة كما ترى.