وهو نوع من علم البلاغة دقيق المجرى، غزير الفوائد، يستعمله الفصحاء، ويعول عليه أكثر البلغاء، وهو قريب من الاعتراض الذى قدمنا ذكره، خلا أن الاعتراض منه ما يقبح، ويحسن، ويتوسط، بخلاف الاستطراد فإنه حسن كله، ومعناه فى مصطلح علماء البيان أن يشرع المتكلم فى شىء من فنون الكلام، ثم يستمر عليه فيخرج إلى غيره، ثم يرجع إلى ما كان عليه من قبل، فإن تمادى فهو الخروج، وإن عاد فهو الاستطراد، واشتقاقه من قولهم: أطرده السلطان، إذا أخرجه من بلده، لأن المتكلم يخرج من كلامه إلى كلام آخر كما ذكرناه. ومنه الحديث:«التهجد مطردة للحسد» ، أى أنه يخرج الحسد من الإنسان.
أو يكون اشتقاقه من الاتساق. وفى حديث الإسراء:«فإذا هران يطردان منه طراد الفرسان» . وفى حديث ابن عباس حين تكلم أمير المؤمنين فى الخلافة فعرض له عارض فى أثناء الخطبة، فقال له ابن عباس:«لو أطردت مقالتك يا أمير المؤمنين» ، فقال:«يا ابن عباس تلك شقشقة هدرت ثم قرّت» ، ومعناه: لو اتسقت مقالتك الأولى. لأن المتكلم يرجع من كلامه الذى أدخله على كلامه الأول وينسقه عليه فيتلاءم ويتسق، فيمكن تقرير اشتقاقه على هذين الوجهين. وشبهه علماء البيان بمن يطرد صيدا ثم يعنّ له صيد آخر فيطرده، ثم يرجع إلى الأول فيشتغل به، ومنه الحديث:«كنت أطارد حية لأصيدها»«١» .
ويقال له المطاردة أيضا، والألقاب قريبة لا يعرّج عليها. وتمام المقصود إنما يكون بذكر الأمثلة وإيرادها، لأن المثال هو تلو الماهية فى الإبانة عن حقيقة الشىء ومعرفة ذاته، فمن الأمثلة من كتاب الله تعالى: قوله عز وجل: أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (٩٥)
[هود: ٩٥] فقوله: كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (٩٥)
استطراد بعد ذكره مدين، لأنه عارض عند ذكره حال مدين، وما كان منهم من التكذيب للرسل، ثم قال «٢» : وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ
[الأعراف: ١٠١] فإن كانت الضمائر راجعة إلى مدين، فهو من باب الاستطراد كما ذكرناه، وإن كانت الضمائر، راجعة إلى ثمود فهو خروج، لأن حقيقة المطاردة خارجة عنه، ومنه