[التعريف الثانى ذكره ابن سراج المالكى فى كتابه المصباح،]
وتقرير ما قاله فى ماهية الكناية، هو ترك التصريح بالشىء إلى مساويه فى اللزوم، لينتقل منه إلى الملزوم، فقوله:«ترك التصريح بالشىء» عام فى جميع الأنواع المجازية، فإنها متفقة فى ترك التصريح بحقائقها الموضوعة من أجلها، وقوله:«إلى مساويه فى اللزوم لينتقل منه إلى الملزوم» يحترز به عن الاستعارة فى مثل قولك: رأيت أسدا، فإنك انتقلت فى الكناية عن لفظ إلى ما يساويه فى مقصود دلالته، فإن الوصف كما يلزم قولنا فلان كريم، فإنه يلزم مساويه أيضا وهو قولنا فلان كثير رماد القدر، بخلاف قولنا أسد، فإنه ليس مماثلا لقولنا فلان شجاع فى مقصود دلالته، بل يخالفه فى نفس دلالته، فإنه دال على خلاف ما دل عليه قولنا فلان شجاع، وإنما شاركه فى بعض معانيه، وهو الشجاعة فافترقا، وقوله (لينتقل منه إلى الملزوم) يعنى أن فائدة المساواة فى الدلالة، هو المساواة فى الملزوم، فهذا ملخص ما ذكره ابن سراج المالكى فى كتاب المصباح مع فضل بيان منا لقيود فى الحد أغفلها فيه.
[التعريف الثالث حكاه ابن الأثير عن بعض علماء البيان،]
وحاصل ما قاله فى تفسير الكناية، هى اللفظ الدال على الشىء بغير الوضع الحقيقى بوصف جامع بين الكناية والمكنى عنه، وزعم أن مثال ما قاله هو، اللمس، والجماع، فإن الجماع اسم موضوع حقيقى لمعناه، واللمس كناية عنه، وبينهما الوصف الجامع، لأن الجماع لمس وزيادة، فكان دالا عليه بالوضع المجازى هذه زبدة كلامه، وفائدته، وهو فاسد لأمور ثلاثة، أما أولا فلأن هذا يبطل بالتشبيه، فإنه اللفظ الدال على غير الوضع الحقيقى فى وصف من الأوصاف، كقولنا.
كأن زيدا الأسد، فأدخل فيه ما ليس منه، وأما ثانيا فلأن الكناية لا تفتقر إلى ذكر جامع، فإننا إذا قلنا فلان كثير رماد القدر، وجعلنا هذا دلالة على كونه كريما، فهو غير محتاج إلى ذكر «جامع» فاعتبار ذكر الجامع فى الكناية يخرجها عن حقيقة وضعها، ويبطل فائدتها، وأما ثالثا فلأنه ذكر الكناية والمكنى فى حد الكناية، وهذا فيه تفسير الشىء بنفسه، وإحالة بأحد المجهولين على الآخر، فلا جرم كان باطلا.