ليس كناية، ويدخل فيه اللفظ المتواطىء، كرجل، وفرس، واللفظ المشترك كقولنا قرء، وشفق، فإنهما دالان على معنيين، وقولنا مختلفين، يخرج عنه المتواطىء، فإن دلالته على أمور متماثلة، وقولنا حقيقة ومجاز، يحترز به عن اللفظ المشترك، فإن دلالته على ما يدل عليه من المعانى على جهة الحقيقة لا غير، وقولنا من غير واسطة، يحترز به عن التشبيه، فإنه لا بد فيه من أداة التشبيه، ٧ ما ظاهرة كقولك زيد كالأسد، وإما مضمرة، كقولك زيد البحر، وقولنا على جهة التصريح، يحترز به عن الاستعارة، فإن دلالتها على ما تدل عليه من جهة صريحها، إما من غير قرينة، كدلالة الأسد على الحيوان، وإما مع القرينة كدلالة الأسد على الشجاع، فكلاهما مفهوم من جهة التصريح، بخلاف الكناية فإن الجماع ليس صريحا من قوله تعالى: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ
[البقرة: ٢٢٣] وإنما هو مفهوم على جهة التبع كما دلت عليه بحقيقتها فهذا هو الحد الصالح لتقرير ماهية الكناية.
[تنبيه]
اعلم أن أكثر علماء البيان على عد الكناية من أنواع المجاز خلافا لابن الخطيب الرازى، فإنه أنكر كونها مجازا، وزعم أن الكناية عبارة عن أن تذكر لفظة وتفيد بمعناها معنى ثانيا هو المقصود، فإذا كنت تفيد المقصود بمعنى اللفظ، وجب أن يكون معناه معتبرا فيما نقلت اللفظة إليه عن موضوعها. فلا يكون مجازا، ومثاله على زعمه أنك إذا قلت فلان كثير رماد القدر، فإنك تريد أن تجعل حقيقة كثرة الرماد دليلا على كونه جوادا، فأنت قد استعملت هذه اللفظة فى الأصلى وغرضك فى إفادة كونه كثير الرماد معنى يلزم الأول، وهو الكرم، فإذا وجب فى الكناية اعتبار معناها الأصلى لم يكن مجازا أصلا. هذا ملخص كلامه فى كتابه نهاية الإيجاز، وهو فاسد لأمرين، أما أولا فلأن حقيقة المجاز، ما دل على معنى، خلاف ما دل عليه بأصل وضعه، فى قوله تعالى: أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ
[النساء: ٤٣] فإن الحقيقة فى الملامسة هى مماسة الجسد للجسد، ودلالة المماسة على الجماع ليس بأصل الوضع، وهذه هى فائدة المجاز، وأما ثانيا فلأن الكناية قد دلت على معناها اللغوى الذى وضعت من أجله، فبعد ذلك لا يخلو حالها، إما أن تدل على معنى مخالف لما دلت عليه بالوضع أم لا، فإن لم تدل فلا معنى للكناية، وإن دلت عليه وجب القول بكونه مجازا، لما كان مخالفا لما دلت عليه بالوضع، والعجب من ابن الخطيب حيث أنكر كون الكناية مجازا،