وهو فى أصل اللغة الرّجم بالشىء، يقال حذفه بالعصا إذا رجمه بها، وفى الحديث: أتى إليه ببيضة من ذهب فحذفه بها، فلو أصابته لعقرته، وفى حديث عمر إيّاى وأن يحذف أحدكم الأرنب، أى يزرقها بالمعراض، نهى المحرم عن ذلك، وهو فى مصطلح علماء البيان عبارة عن التجنب لبعض حروف المعجم عن إيراده فى الكلام، كما روى عن أمير المؤمنين كرم الله وجهه: أنه حكى بمجلسه كثرة دوران الألف فى الكلام وأنه لا يخلو كلام عنها، فأنشأ فى ذلك خطبة سماها المونقة ليس فيها ألف، وكما يحكى عن واصل بن عطاء: أنه كان يتجنب فى كلامه لفظة الراء لما كان يلثغ فيها ويخرجها عن غير مخرجها، وأنشد الزمخشرى رحمه الله فى هذا المعنى:
ولا تجعلنّى مثل همزة واصل ... فيسقطنى حذف ولا راء واصل
ويحكى أن رجلا أراد امتحانه فقال قل: رجل ركب فرسه، وجر رمحه، فقال له: غلام اعتلى جواده، وسحب ذابله، فانظر إلى ما أتى به لقد جانب فيه الراء، فكان أبلغ وأفصح مما سئل عنه، وإنما عددناه فى علم البديع لأن ما هذا حاله إنما يصار إليه عند الاقتدار على البلاغة والإغراق فى الفصاحة بحيث يمكنه الخوض فى كل أسلوب من أساليبها، والجرى فى ميدان أعاجيبها، وكما فعل الحريرى فيما أورده فى مقاماته من تجنب النقط فى خطبته التى مطلعها الحمد لله الممدوح الأسماء المحمود الآلاء الواسع العطاء، وفى خطبته الثانية التى مبدؤها قوله: الحمد لله الملك المحمود، المالك الودود، مصور كل مولود، ومآل كل مطرود، إلى آخرها فكل واحدة من الكلم فى هاتين الخطبتين لا نقط فيها بحال أصلا عند الكتاب، ومن أمثلة المنظوم ما قاله بعض الشعراء:
دار لمهدد دارس أعلامها ... طمس المعالم مورها ورهامها
ومن ذلك ما أورده فى الحريريات:
أعدد لحسّادك حدّ السّلاح ... وأورد الآمل ورد السّماح
فهذان البيتان لا نقط فى شىء من ألفاظهما كما ترى، والحروف المهملة التى لا نقط لها يجمعها قولنا: كما صل أو حطّ له درسع، وجملتها خمسة عشر حرفا كما ترى، وأما الحروف المعجمة بالنقط فيجمعها قولنا. بزنديق فى جثّ خشّ غظ، فجملتها أربعة عشر حرفا، فكملت حروف العربية ما ينقط منها ومالا ينقط على هذا التقدير والله أعلم بالصواب.