وقد سبقه بهذا المعنى أبو تمام خلا أن أبا تمام جعله فى الكرم، وهذا جعله فى المدح، قال أبو تمام فى ذلك فأجاد كل الإجادة:
ولولا خلال سنّها الشّعر ما درى ... بغاة النّدى من أين تؤتى المكارم
فهذا ما تحصّل من الأمثلة فى العكس.
[النوع الخامس فى أخذ المعنى والزيادة عليه معنى آخر]
فمن ذلك ما قاله جرير:
غرائب ألّاف إذا حان وردها ... أخذن طريقا للقصائد معلما «١»
فأخذه أبو تمام وزاد عليه زيادة بديعة فأعجب كل الإعجاب:
غرائب لاقت فى فنائك أنسها ... من المجد فهى الآن غير غرائب
فحاصل كلام جرير أن قصائده لا يماثلهن غيرهن، فإنهن مفردات عن أشكالهن، وحاصل كلام أبى تمام أن لهن أمثالا صادفنها فأنسن إليها، فكلاهما قد أورد الغرائب فى شعره، خلا أن ابا تمام زاد عليه بأن قرنها بذكر الممدوح، فلهذا كانت لائقة حسنة لذلك، ومن ذلك ما قاله أبو تمام يمدح كريما:
يصدّ عن الدنيا إذا عنّ سؤدد ... ولو برزت فى زىّ عذراء ناهد «٢»
وقد أخذه من قول بعض الشعراء:
ولست بنظّار إلى جانب الغنى ... إذا كانت العلياء فى جانب الفقر «٣»
خلا أن أبا تمام زاد عليه قوله «برزت فى زىّ عذراء ناهد» ولم يتضمنه قول الشاعر الثانى، ومن ذلك ما قاله البحترى:
ركبوا الفرات إلى الفرات وأمّلوا ... جذلان يبدع فى السّماح ويغرب
أخذه من قول مسلم بن الوليد:
ركبت إليه البحر فى ماخراته ... فأوفت بنا من بعد بحر إلى بحر
خلا أن البحترى زاد عليه قوله «جذلان يبدع فى السماح ويغرب» فهذه الزيادة زادته