حسنا إلى حسنه، وإعجابا إلى إعجابه كما تراه ههنا، ومن ذلك ما قاله جرير يمدح بنى تميم:
إذا غضبت عليك بنو تميم ... حسبت الناس كلّهم غضابا «١»
فأخذه أبو نواس فى قوله:
وليس على الله بمستنكر ... أن يجمع العالم فى واحد «٢»
وزاد عليه زيادة رشيقة، وذلك أن جريرا جعل الناس كلهم بنى تميم، وأبو نواس جعل العالم كلهم فى واحد، فلا جرم كان ما قاله أبلغ وأدخل فى المدح والإعظام، ومن ذلك ما قاله الفرزدق:
علام تلفّتين وأنت تحتى ... وخير الناس كلّهم أمامى
متى تأتى الرّصافة تستريحى ... من الأنساع والدّبر الدّوامى «٣»
أخذه أبو نواس وزاد فيه زيادة صار بها فى غاية الحسن والإعجاب فقال:
وإذا المطىّ بنا بلغن محمدا ... فظهورهنّ على الرجال حرام
فالفرزدق أراد أنها تستريح من الشد والرّحل فيدميها ذلك ويدبرها، وليس استراحتها بمانعة من معاودة إتعابها مرة أخرى، وأما أبو نواس فإنه حرم ظهورهن على الرجال وأعفاهن من الأسفار إعفاء مستمرا، فلهذا كان بليغا بهذه الزيادة كما ترى، ومن ذلك ما قاله أبو نواس فى مدح كتيبة:
أمام خميس أرجوان كأنه ... قميص محوك من قنا وجياد
فأخذه أبو الطيب المتنبى وزاد عليه زيادة هى الغاية فى الكمال فقال:
وملمومة زرد ثوبها ... ولكنّها بالقنا مخمل
فانظر إلى حسن ما ذكره فى القنا حيث جعله خملا لثوب الزرد، فناسبه نهاية المناسبة، وكان ملائما غاية الملائمة، وهذا المعنى غير حاصل فى بيت أبى نواس وهو من عجائبه التى انفرد بها، وملحه الفائقة لمن نظر فيها، ومن ذلك ما قاله أبو الطيب المتنبى يمدح رجلا بالكرم:
وإن جاد قبلك قوم مضوا ... فإنّك فى الكرم الأوّل