للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التشبيه بمطلق الدرر، ولا بمطلق البساط، وإنما الغرض النجوم فى ضوئها وتلألئها إلى زرقة أديم السماء، كبساط أزرق نثرت عليه درر صافية، ونظير هذا القسم، عقد من در وياقوت، فهو إذا فصل واحدة واحدة، فهو على حظ من الإعجاب، وهو إذا نظم فى سلك واحد، فهو على حظ وافر من الزينة والحسن والنضارة. ومثال الثانى وهو ما يتعذر فيه الإفراد، قوله تعالى: وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ

[إبراهيم: ٢٦] فإن المقصود تشبيه كلمة موصوفة بالخبث بشجرة موصوفة بالخبث أيضا، فلو سلبت الكلمة صفة الخبث قائلا ومثل كلمة كشجرة خبيثة، أبطلت بلاغة الآية، وأزلت عنها رونق الفصاحة، ومن هذا قوله:

كأنما المريخ والمشترى ... قدامه فى شامخ الرفعه

منصرف بالليل عن دعوة ... قد أسرجت قدامه شمعه

فالغرض أن التشبيه لم يكن للمريخ على انفراده، ولكن إنما حصل له من جهة الحالة الحاصلة له من كون المشترى قدامه، ولهذا كانت الواو فى قوله والمشترى قدامه، واو الحال، فهى كالصفة فى كونها تابعة لا يمكن إفرادها بالذكر، بل تذكر فى ضمن الأول على طريق التبعية، فلو أبطلت التركيب قائلا كأنما المريخ منصرف عن دعوة، كان خلفا من الكلام فضلا عن أن يكون بليغا، ونظير هذا القسم، خاتم من فضة، وسوار من ذهب، فإنه لا يفيد الحسن والإعجاب إلا إذا كان مركبا منظما، فإن زال تركيبه ونظامه، خرج عن إعجابه وحسنه وبطل.

[الحكم الثالث]

اعلم أن من التشبيه ما يحضر فى الذهن ويسهل إدراكه، ويسمى القريب، ومنه ما يحتاج إلى نوع فكرة وتأمل، ويسمى الغريب، ولنذكر الأمرين جميعا بالأمثلة. مثال الأول وهو القريب، وذلك متى أخطرت ببالك استدارة قرص الشمس وتنورها وتموج ضوئها، فإن المرآة المجلوة تقع فى قلبك وتعرف من أول وهلة كونها مشبهة للشمس، وهكذا إذا نظرت إلى السيف المصقول عند سله، فإنك تذكر لمعان البرق، فلهذا تشبيهه به، وإذا رأيت الثياب الموشاة من الحرير فى رقتها وصفائها، وإحكام ألوانها، فإنك تشبهها بالروض

<<  <  ج: ص:  >  >>