المرتبة الثانية فى [المجازات المركبة]
وحاصل الأمر فى ذلك هو أن يستعمل كلّ واحد من الألفاظ المفردة فى موضوعه الأصلى، لكن المجاز إنما حصل فى التركيب لا غير، وهذا كقوله «١» :
أشاب الصغير وأفنى الكبير ... كرّ الغداة ومرّ العشىّ
فكلّ واحد من هذه الألفاظ المفردة فيما ذكرناه مستعمل فى موضوعه الأصلى، لكن إنما جاء المجاز من جهة إسناد الإشابة والإفناء إلى كرّ الغداة، وإلى مرّ العشى وهو غير مطابق لما عليه الحقيقة، فإن الإشابة، والإفناء، إنما يحصلان بفعل الله تعالى لا بكرّ الغداة، ولا بمرّ العشىّ، وهكذا قوله تعالى: وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢)
[الزلزلة: ٢] وقوله تعالى: أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ
[يونس: ٢٤] فهذا وأمثاله إنما جاء المجاز فيه من جهة الإسناد والإضافة لا غير، لا من جهة المفردات كما مثّلناه.
[المرتبة الثالثة فى بيان المجازات الواقعة فى المفردات والتركيب]
فهذا وأمثاله يحسن موقعه، ويقع فى البلاغة أحسن هيئة، ويكسب الكلام رونقا وطلاوة، ويعطيه رشاقة ويذيقه حلاوة، ومثاله قولك لمن تراعيه: «أحياني اكتحالي بطلعتك» فإنه قد استعمل لفظ الإحياء فى غير موضوعه بالأصالة، وأسند الاكتحال إلى الإحياء، مع أنه فى الحقيقة غير منتسب إليه، فقد حصل المجاز في الإفراد والتركيب معا كما ترى.
[تنبيه]
اعلم أن هذه المجازات المركبة التى ذكرناها ومثلناها بقوله تعالى: وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢)
[الزلزلة: ٢] وقوله تعالى: مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ
[البقرة: ٦١] وقوله تعالى:
حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ
[يونس: ٢٤] وغير ذلك من الأمثلة. فإنها كلها مجازات لغوية استعملت فى غير موضوعاتها الأصلية، فلأجل هذا حكمنا عليها بكونها لغوية.
وبيانه هو أن صيغة «أنبت» «وأخرج» «وأخذ» وضعت فى أصل اللغة بإزاء صدور