[يس: ٤٥] التقدير فيه أعرضوا عن استماعه ونكصوا عن قبوله، ويدل عليه ما بعده، ومن أراد الاطلاع على حقيقة البلاغة من الإيجاز بالحذف، فعليه بتلاوة سورة يوسف، فإنه يجد هناك ما فيه شفاء لكل علة، وبلال لكل غلّة.
[النوع الثانى الإطناب]
وهو تأدية المقصود من الكلام بأكثر من عبارة متعارف عليها، ثم إنه يأتى على أوجه ثلاثة، أولها أن يكون مجيئه على جهة التفصيل، ومثاله قوله تعالى: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ
[البقرة: ١٣٦] فهذا وما شاكله فيه تفصيل بالغ وتعديد لمن يجب الإيمان به من الأنبياء، وما أوتوا من الكتب المنزلة على أتم وجه وأبلغه، ولو آثر إيجازه لقال: قولوا آمنا بالله وبجميع رسله وما أوتوا، لكنه بسطه على هذا البسط العجيب، لما فيه من وفائه بالإيمان بالله وبرسله وما اشتمل عليه من ذكر هذه الزوائد المؤكدة، ومنه قوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٦٤)
[البقرة: ١٦٤] فلينظر الناظر، وليحكّ قريحته بالتأمل البالغ فيما اشتملت عليه هذه الآية الباهرة من شرح عجائب هذه المخلوقات، واختلاف أنواع المكونات، وترتيبها على هذه الهيئة التى تعجز عن إدراكها القوى البشرية، فقد نزلها على مراتب ثلاث.
[المرتبة الأولى الإشارة إلى المكونات السماوية]
وما اشتملت عليه من عجائب الملكوت وإتقان الصنعة، وبديع الحكمة فى تكوينها ورفعها، وما فيها من المخلوقات العظيمة فى أطباقها من أصناف الملائكة وحشوها بهم فى أرجائها، مع ما اختصوا به من عظم الخلق ونيل الزلفى والقرب إلى الله تعالى، وأنه لا خلق أعظم ولا أرفع منزلة عند الله تعالى منهم، لما خصهم به من امتثال أمره والاعتراف بعظمته.