[الإسراء: ٧٠] إنما أعرض عن ذكر حرف الاستعلاء وهو «على» وعدل عنه إلى حرف الوعاء وهو «فى» مع أن الظاهر هو العلو على الأرض والفلك، إعلاما بأن حرف الوعاء أقعد وأمكن ههنا من حرف الاستعلاء؛ لأن «على» تشعر بالاستعلاء لا غير من غير تمكن واستقرار، و «فى» تشعر ههنا بالاستقرار والتمكن، ومن حق ما يكون مستقرا فيه متمكنا أن يكون مستعليا له، فلما كانت تؤذن بالمعنيين جميعا آثرها وعدل إليها وأعرض عن «على» دلالة على المبالغة التى ذكرناها، وإنما ساوى فى ذكر «على» بين قوله تعالى: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٢)
[الملك: ٢٢] لاستوائهما جميعا فى الدلالة على المبالغة؛ لأن كل من كان منهمكا فى الغى منغمسا فى غمرات الباطل، فهو فى التمثيل بمنزلة من ركب وجهه، وجعله مطية له يمتطيها إلى الوقوف عليه وإحرازه له، ومن كان على الحق فهو فى التمثيل بمنزلة من هو على طريق مستقيمة لا تعوّج به منتصب القامة، لا ينحنى فى صعود ولا هبوط، فلما كان فى كلتا حالتيه لا ينفك عن الركوب والاستعلاء إما لوجهه أو للطريق المستقيمة سوّى بينهما فى حرف الاستعلاء، وهذه لطائف دقيقة وأسرار غامضة يدريها من ضرب فى هذه الصناعة بعرق، وظفر فيها بحظ.