خاصة فى سورة الأعراف وسورة يوسف، فإنه سلك فيهما فنونا كثيرة، وتخلص إلى أودية مختلفة، والقرآن كله مملوء منه، لأنه لا يزال تكرير الكلام من وعد إلى وعيد، ومن ذكر قصص إلى ذكر أمثال، ومن ذكر أمر إلى نواه، ومن ترغيب إلى ترهيب، إلى غير ذلك فكيف يمكن إنكار ما هذا حاله وهو أوسع ما يكون فى التنزيل.
[المثال الثانى من السنة النبوية]
وهذا كقوله عليه السلام: وقد رأيتم الليل والنهار كيف يبليان كل جديد، ويقربان كل بعيد، ويأتيان بكل موعود ثم قال بعد ذلك فإذا التبست عليكم الأمور كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنه شافع مشفع وشاهد مصدق فمن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، هو أوضح دليل إلى خير سبيل. فانظر إلى ما أودعه فى هذا الكلام من التخلص الرائق، فبينا هو يذكر حال الليل والنهار وحكمهما فى المكونات إذ خرج إلى حال القرآن ووصفه، وأنه فيه الإيضاح لكل مشكل، وبيان لكل أمر ملتبس، تخلص إلى ذكره بأحسن تخلص، وهكذا قوله عليه السلام: كأن الموت فيها على غيرنا كتب، وكأن الحق فيها على غيرنا وجب، إلى أن قال طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس. فبينا هو يذكر الموت وأهواله وإعراض الخلق عن ذكره إذ خرج إلى ذكر الندب إلى اشتغال الإنسان بعيب نفسه و ٧ همال عيوب الخلق، فهذا من المخالص البديعة إلى غير ذلك فى كلامه عليه السلام.
[المثال الثالث من كلام أمير المؤمنين كرم الله وجهه]
وهو فى كلامه أكثر من أن يحصر، وخاصة فى العهود الطويلة والكتب المنتشرة، والكلمات الواسعة، فإنه يخرج فيها إلى أودية كثيرة، فبينا يتكلم فى أسلوب الوعظ، إذ خرج إلى وصف الرسول صلّى الله عليه وسلّم، أو إلى وصف القرآن أو إلى غير ذلك من الأساليب المختلفة فيما يكون معدودا من محاسن التخلصات، ومن أراد الوقوف من كلامه على محاسن التخليص فليطالع من ذلك ما أوصى به الحسن بن على فى وصية له، فإنه جمع له من محاسن الآداب وأجمعها، وأعظم الحكم وأنفعها، ما لا يحتمله حصر، ولا يشتمله عد،