صدره فصار فى المضاء عضبا شهيرا» أراد كالسيف فى مضائه «وقمص لباس السواد، وهو شعار الخطباء فنطق بفصل الخطاب، ونكس رأسه وهو صورة الإذلال، فاختال فى مشيه من الإعجاب» فأقول لقد نطق بفصل الخطاب ابن الأثير، وصار على بليغ التشبيه والاستعارة كالأمير، وهذا الضرب أعنى تشبيه المفرد بالمركب كثير الدور، واسع الجرى، وما ذاك إلا من أجل المبالغة فى المشبه نفسه فاتسعوا فيه بتشبيهات كثيرة.
[الضرب الرابع فى تشبيه المركب بالمفرد]
وما هذا حاله فهو على الندور والقلة، وإنما كان الأمر فيه كما قلناه من القلة، لأنه لا مبالغة فى تشبيه الأشياء المتعددة بشىء واحد، فلا جرم كان قليل الاستعمال، ثم هو فى قلة جريه على وجهين، الوجه الأول تشبيه شيئين مشتركين فى أمر معنوى بشىء واحد، ومثاله ما قاله أبو تمام فى وصف الربيع:
يا صاحبى تقصيا نظريكما ... تريا وجوه الأرض كيف تصور
تريا نهارا مشمسا قد شابه ... زهر الربا فكأنما هو مقمر
فشبه النهار المشمس مع الزهر الأبيض وقد اشتركا فى البياض والحسن، بضوء القمر، وهو تشبيه بالغ يقضى منه العجب، ويماثل فى نظمه وصفائه إكسير الذهب.
الوجه الثانى تشبيه شيئين ليس بينهما جامع ولا رابطة تشملهما وهذا كقول أبى الطيب المتنبى:
تشرق أعراضهم وأوجههم ... كأنها فى نفوسهم شيم
فشبه إشراق الأعراض والوجوه بإشراق الشيم، وهى الخلائق الطيبة، فإشراق الوجوه ببياضها، وإشراق الأعراض بشرفها وطيبها، وليس بينهما جامع كما ترى.
[التقسيم الثانى باعتبار حكمه إلى قبيح وحسن]
اعلم أن من التشبيه ما يروق منظره ويحمد أثره، وهذا هو الأكثر فى التشبيهات، فإنها جارية على الرشاقة فى معظم مجاريها، فلهذا تكون محمودة حسنة، وربما لم يكن بين المشبه والمشبه به وجه، أو حصل هناك جامع بينهما، لكنه يبعد، فلهذا كانت قبيحة مذمومة، فهذان ضربان.