[«المثال الأول» فى الأسماء]
وهذا كقوله تعالى: الْحَيُّ الْقَيُّومُ
[البقرة: ٢٥٥] فإنه أبلغ من قائم وقوله تعالى: عَلَّامُ الْغُيُوبِ (٤٨)
[سبأ: ٤٨] فإنه أبلغ من عالم وقوله تعالى: مُقْتَدِرٍ
[القمر: ٥٥] فإنه أبلغ من قادر ونحو قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (٢٢٢)
[البقرة:
٢٢٢] فإن فعالا أبلغ من فاعل، ومتطهر أبلغ من طاهر؛ لأن التواب هو الذى تتكرر منه التوبة مرة بعد أخرى، وهكذا المتطهر، فإنه الذى يكثر منه فعل الطهارة مرة بعد مرة، هكذا القول فيما كان مشتقا من الفعل، فإن زيادة لفظه دالة على زيادة معناه قال أبو نواس:
فعفوت عنى عفو مقتدر ... جلّت له نقم فألغاها
ولم يقل قادر، مبالغة فى الأمر، وهكذا حال الأوصاف الجارية على الله تعالى إذا عدل بها عن منهاج الاشتقاق على جهة المبالغة، وحكى ابن الأثير عن جماهير النحاة أنهم يقولون إن «عليما» أبلغ من عالم، واستضعف هذه المقالة، وزعم أن الأمر على خلاف ذلك وأن عالما أبلغ من عليم؛ لأن عالما متعد وعليم غير متعد، فلهذا كان أبلغ لما ذكرناه، فأما عدة أحرفها فهى سواء، وهذا الذى ذكره فاسد، فإن الدلالة على بلاغة «عليم» ليس من جهة عد الأحرف ولا من جهة التعدى واللزوم، فيصح ما ذكره، وإنما حصلت المبالغة فيه من جهة الاستعمال؛ لأنهم لا يستعملونه إلا فى مواضع البلاغة، بخلاف قولنا عالم، فبطل ما توهمه.
[المثال الثانى فى الأفعال]
وهذا كقوله تعالى: فَكُبْكِبُوا فِيها
[الشعراء: ٩٤] فإنه مأخوذ من الكب وهو القلب، لكنه كرر الباء للمبالغة فيه، ومن هذا قوله تعالى: لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ
[البقرة: ٢٨٦] وهذا من لطف الله ورحمته، فإنه جعل الثواب على أدنى ملابسة للطاعة، فلهذا أتى فيه بالثلاثى المجرد، وجعل العقاب على مزاولة عظيمة للفعل، وعلاج، فلهذا خصه ببناء المبالغة بالزيادة على الثلاثى، ومن هذا قوله تعالى: فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ
[البقرة: ١٣٧] ولو قال: فكفاك إياهم لم يكن فيه بلاغة، وهكذا قولهم: اخشوشن، فى خشن، واعشوشب المكان، إذا أعشب وكثر شجره، وإنما عدل عن بنائه الثانى للمبالغة فى ذلك المعنى.