اشتملت عليه من اللفظ والمعنى بما يخبر عن صنعته ويعلم من حال حرفته.
وأقول: إن أجمع عبارة فى وصف البلاغة والفصاحة، هو ما أجمعوا عليه من قولهم:
إن الكلام إذا أشرقت شمس لفظه، انكشف لبس معناه فإنها حاوية لمعانى البلاغة ومستولية على أسرار الفصاحة، فقوله: إذا أشرقت شمسه، يشير به إلى الفصاحة، لما فى الإشراق من الانكشاف والظهور، وقوله: انكشف لبسه، يشير به إلى ما تضمنه من البلاغة، لاشتمالها على إظهار المعانى. ولو قيل: هو الذى إذا طلع شمس لفظه، أضاء نهار معناه، لكان حسنا جيدا.
[التقرير الثانى: فى بيان الشواهد على أسرار الفصاحة، وعجائب البلاغة]
، وهما كما يردان فى المنظوم، يردان فى المنثور، وأحسن مواقعهما ما ورد فى المنثور، ولهذا لم يكن المعجز إلا نثرا وما ورد عن الله تعالى، وعن رسوله، وعن أمير المؤمنين كرم الله وجهه، وعن العرب، من النثر فى المحافل من الخطب أكثر من أن يعد ويحصى، فلا جرم رتبنا إيراد الشواهد على قسمين تمييزا لأحدهما عن الآخر.
[القسم الأول: فى إيراد الشواهد المنثورة]
وجملة ما نورده من ذلك ضروب ثلاثة.
[الضرب الأول: الآى القرآنية]
، والقرآن كله معجز لا تخص آية دون آية كما سنقرر إعجازه، ووجه إعجازه فى الفن الثالث بمعونة الله تعالى ولكنا نورد منه آيات ثلاثا، تنبيها بالأقل على الأكثر، لأنه قد بلغ الغاية فيما تضمنه من الغرائب واشتمل عليه من الأسرار والعجائب.
فلينظر المتأمل فى هذه الآية العجيبة مع اشتمالها على العذوبة فى ألفاظها المفردة، والسلاسة فى تراكيبها، والنظام العجيب، والتأليف الأنيق، والأسلوب البديع، حتى لا تكاد لفظة واحدة تخلو عن ملاحظة البلاغة، ومواقع الفصاحة، وكيف احتوت على التنبيه على أسرار عظيمة ومعان فخمة على أسهل نظام وأيسره، وأتم بيان وأكمله، ولنشر إلى شىء من ذلك من الأمور الظاهرة.