من شرط المجاز أن يكون مسبوقا بالحقيقة، وليس من شرط الحقيقة أن يكون لها مجاز، أما الأول: فبيانه أن المفهوم من حقيقة المجاز هو ما كان مستعملا فى أمر يخالف موضوعه الأصلى، فهذا يوجب أن يكون قد وضع فى الأصل لمعنى آخر، ومتى استعمل اللفظ فى ذلك الموضوع فهو حقيقة فيه وهذا هو المقصود. وأما الثانى فبيانه هو أن مفهوم الحقيقة هو اللفظ الذى استعمل فى نفس موضوعه الأصلى وليس يلزم من كون اللفظ موضوعا لمعنى أن يكون موضوعا فى معنى آخر بينه وبين الأول علاقة وإذا كان الأمر كما قلناه حصل المقصود من أنه لا يلزم من كل حقيقة أن يكون لها مجاز لما لخصناه والله أعلم.
[الحكم الثالث]
الحقيقة قد تكون مجازا، والمجاز قد يصير حقيقة، أما صيرورة الحقيقة مجازا فلأن الحقيقة إذا قل استعمالها صارت مجازا عرفيا. ومثاله إطلاق لفظ الدابة على الدودة والنملة، فإنه لما تعورف فى إطلاقه على ذوات الأربع حتى صار حقيقة فيه فصار إطلاقه على النملة مجازا بالإضافة إلى الحقيقة العرفية وقد كان حقيقته فى أول وضعه على كل ما يدب من الحيوانات. وأما صيرورة المجاز حقيقة فلأن المجاز إذا كثر استعماله صار حقيقة عرفية. ومثاله قولنا الغائط، فإنه كان مجازا فى قضاء الحاجة، وحقيقته المكان المطمئن من الأرض ثم تعورف هذا المجاز وكثر حتى صار حقيقة سابقة إلى الفهم.
[الحكم الرابع]
اللفظ فى نفسه قد يكون خاليا عن المجاز وحده، وقد يخلو عن الحقيقة والمجاز معا، وذلك يكون فى صور ثلاث.
الصورة الأولى: الأسماء الأعلام من نحو زيد، وعمرو وذلك لأنها لم توضع فى الأصل دالة على شىء بعينه، كدلالة قولنا: حيوان، ورجل، وسواد، ولكنها ألقاب وضعت للتفرقة بين المسميات وليست أجناسا دالة على موضوع معين، فإذا دلت على موضوعها الأصلّى فهى حقيقة، وإذا كانت مستعملة فى غيره فهى مجازات، ولكنها موضوعة للتفرقة بين الأعلام خارجة عن الدلالة على الصفات، فلا جرم قضينا بخروجها عن المجاز والحقيقة جميعا.