للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقول لها وقد جشأت وجأشت ... مكانك تحمدى أو تستريحى

ومن هذا ما قاله بعض الشعراء:

أقول للنفس تأساء وتعزية ... إحدى يدىّ أصابتنى ولم ترد «١»

ومن ذلك ما قاله الأعشى «٢» :

ودّع هريرة إنّ الرّكب مرتحل ... وهل تطيق وداعا أيّها الرّجل

فهو فى هذه الأبيات كلها خطابه مقصور على نفسه دون غيره، فإذا تمهدت هذه القاعدة فهل يطلق اسم التجريد على النوع الثانى على جهة الحقيقة أم لا، وفيه مذهبان،

[المذهب الأول أنه لا يطلق عليه اسم التجريد، وإنما يقال له نصف تجريد، وهذا هو الذى زعمه ابن الأثير،]

فإن التجريد الحقيقى هو ما ذكرناه فى النوع الأول، وهو أن تخاطب غيرك وتوجه الخطاب إليه وأنت تريد نفسك، وأما ما هذا حاله فإنك توجه الخطاب فيه إلى نفسك، فلهذا كان نصف تجريد كما ترى، والحقيقة هى أن الإنسان لا يخاطب نفسه، وإنما يخاطب غيره.

[المذهب الثانى أن اسم التجريد يطلق عليه وهذا هو الذى ذكره أبو على الفارسى]

وهذا وهو الأقرب، وتقريره هو أن الإنسان حقيقة ليس عبارة عن هذه الصورة المدركة من الأبعاض والأوصال، وإنما هو أمر وراء ذلك، وللعلماء فيه خوض عظيم وتفاصيل طويلة، وأقربها مذهبان، أحدهما وهو الذى عول عليه المعتزلة وهو مذهب أئمة الزيدية، أن حقيقة الإنسان عبارة عن مجموع آسان متصلة به تقصد بالمدح والذم والثواب والعقاب والأمر والنهى وغير ذلك مخالفة لسائر الحقائق وهى الإنسانية، وهى مؤلفة من أجزاء جسمانية، وثانيهما مذهب أكثر الفلاسفة، وهو أن الإنسانية عبارة عن النفس الناطقة، وهى أمر حاصل فى الإنسان ليست جسما ولا عرضا، ولكنها حقيقة معقولة إلى غير ذلك من التفاصيل لمذهبهم، فإذا كان الأمر كما قلناه فحاصل كلام الفارسى أن العرب تعتقد

<<  <  ج: ص:  >  >>