أن فى الإنسان معنى كامنا فيه، فتعتقد أنه أمر خارج عن الإنسان فتخاطبه بالخطاب والغرض غيره، فلهذا كان هذا تجريدا مشبها للأول، وهذا الذى يمكن أن يقرر عليه كلام الفارسى فى تسمية ما هذا حاله تجريدا، وقد عاب ابن الأثير على الفارسى هذه المقالة ووجه الخطأ عليه من وجهين، الوجه الأول منهما أنه قال: إن حقيقة الإنسان معنى كامن فيه، هو حقيقته، ولا وجه لذلك، فإن المعقول من صفة الإنسان هو هذه البنية المشار إليها من غير تخصيص هناك فيها، وهذا فاسد فإن الحق ما قاله الفارسى كما حكيناه عن أهل الإسلام، والمعتزلة وغيرهم، وعن الفلاسفة من أن حقيقة الإنسان هى أمر حاصل فيه، ولم ينكره ابن الأثير إلا لأنه قليل الخلطة بالمباحث الكلامية والعلوم العقلية، ولو اطلع على مقالة العقلاء من المسلمين والفلاسفة واضطراب أقوالهم فيها، لم ينكر على الفارسى هذه المقالة ولتحقق يقينا لا شك فيه أن فى الزوايا خبايا، وأن فى الخبايا خفايا، الوجه الثانى أنه قال: إنه قد أدخل فى التجريد ما ليس منه، وهذا فاسد أيضا فإنه إذا تحقق ما قلناه من أن حقيقة الإنسان أمر مخالف لهذه البنية المدركة المحسوسة عقل التجريد، وكأنها هى المخاطبة بالخطابات والمراد غيرها كما قلناه فى التجريد المحقق من أن الخطاب موجه إلى غيرك وأنت فى الحقيقة تريد به نفسك، فهذا ما أردنا ذكره من حقائق التجريد وذكر وجوهه والخلاف فيه والله أعلم.