وهى واسعة الخطو ممتدة الحواشى فى كتاب الله تعالى وسنة رسوله، وكلام البلغاء كأمير المؤمنين كرم الله وجهه وغيره من أرباب البلاغة الذين خاضوا بحر عمانها، وغاصوا على لآلئها ومرجانها، وميزوا فيها بين خرزها وجمانها، وحصلها ومجانها، وفصلوا منها بين هجينها وهجانها، فمن أمثلة التنزيل قوله تعالى: بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ
[الزمر: ٥٦] إلى غير ذلك من الآيات الموهمة بظاهرها للأعضاء والجوارح، فإذا قام البرهان العقلى على استحالة هذه الأعضاء على الله تعالى وأنه منزه عن جميع أنواع التشبيهات المكونات الجسمية والعرضية وتوابعهما كالكون فى الجهات، والأعضاء والجوارح، والحلول والمجىء والذهاب وغير ذلك من توابع الجسمية والعرضية، فلا بد من تأويل هذه الظواهر على ما تكون موافقة للعقل، وإعطاء للبلاغة حقها لأن مخالفة العقل غير محتملة، وحمل الكلام على غير ظاهره محتمل، وتأويل المحتمل أحق من تأويل غير المحتمل، فلهذا وجب تأويلها، وللعلماء فى تأويلها مجريان:
فالمجرى الأول الذى ينتجه علماء الكلام من الزيدية والمعتزلة وغيرهم من المنزهة، وهو أنهم يتأولون هذه الظواهر على تأويلات وإن بعدت حذرا عن مخالفة العقل، واغتفر بعدها لأجل مخالفة العقل، ويعضدون تأويلاتهم بأمور لغوية، فيقولون المراد باليد النعمة، وإن المراد بالعين العلم، إلى غير ذلك، وحملهم لها على هذه التأويلات لما لم يأنسوا بشىء من علوم البيان، ولا ولعوا بشىء من مصطلحاته، فجاءوا بهذه التأويلات الركيكة التى يأنف منها كل محصّل، ويزدريها نظر أهل البلاغة.
المجرى الثانى وهو الذى عول عليه علماء البلاغة والمحققون من أهل البيان، وهى أنها جارية على نعت التخييل، فهى فى الحقيقة دالة على ما وضعت له فى الأصل، لكن معناها غير متحقق، وإنما هو أمر خيالى، فاليد مثلا دالة على الجارحة، والعين كذلك لكن تحقق