اليد والعين فى حق الله تعالى غير معقول، ولكنه جار على جهة التخيل، كمن يظن شبحا من بعيد أنه رجل فإذا هو حجر، ومن يتخيل سوادا أنه حيوان فإذا هو شجر، إلى غير ذلك من الخيالات، فما هذا حاله من التأويلات أسهل على الفؤاد وأجرى وأدخل فى البلاغة من التأويلات البعيدة التى لا يعضدها عقل، ولا يشهد بصحتها نقل، ثم أثر عن هذيان الأشعرية أن المراد بهذه الأعضاء صفات أخبر عنها باليد، والعين، والجنب، وسائر الأعضاء، فما هذا حاله لا دلالة عليه، وأبعد من هذا تهويس المشبهة من أن المراد بها ظاهرها من الأعضاء والجوارح. والرد عليهم إنما يليق بالكتب الكلامية، وقد أوردنا هذه المسألة فى الكتب العقلية وزيفنا هذه الآراء، وأبطلنا هذه الأهواء فليطالع من هناك. ومن الأمثلة الواردة فى السنة النبوية: قوله صلّى الله عليه وسلّم: «قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الله»«١» ، وقوله صلّى الله عليه وسلّم:«يد الفقير يد الله، فمن أعطى الفقير فكأنما يعطى الله» ، وقوله عليه السلام:«الحجر الأسود يمين الله فى الأرض»«٢» ، وقوله صلّى الله عليه وسلّم فيما ورد فى (صحيح البخارى) فى صفة النار: «وإن الجبار يضع قدمه فى النار» ، والمراد به غير الجارحة، أى من سلف من الأمم الماضية الخارجين عن الدين بإنكار القيامة والمعاد الأخروى، وإن أريد به الجارحة كان من باب التخييل، فهذه الأخبار وما شاكلها مما يدل على الأعضاء والجوارح يجب حمله على ما ذكرناه من التخييل.
لا يقال فبأى شىء تكون التفرقة بين تأويل المتكلمين لظواهر هذه الآى وظواهر هذه الأخبار الدالة على الأعضاء والجوارح، وبين تأويل علماء البيان لهذا إذا حملوها على التخييل كما ذكرتم، لأن كل واحد منهما يكون تأويلا لا محالة، لأنا نقول التفرقة بينهما ظاهرة، فإن المتكلمين حملوها على تأويلات بعيدة، واغتفروا بعدها حذرا من مخالفة الأدلة العقلية، وكان بعدها عندهم أهون من مخالفة العقل، حيث كان دالا على التنزيه دلالة قاطعة. فأما علماء البيان فإنهم وضعوها على معانيها اللغوية فى كونها دالة على هذه الجوارح، لكنهم قالوا إن الجارحة خيالية غير متحققة، فلا جرم كان تأويلا منهم لها على ذلك، ولهذا كان تأويلهم لها أقرب لما كانت دالة على ما وضعت له فى الأصل من غير عدول ولا مخالفة، وإن جاءت المخالفة من جهة أن الجارحة خيالية دون أن تكون حقيقية،