مبتدأ وخبره محذوف، تقديره هذا على ما قررته، وثانيهما النصب على أنه مفعول لفعل محذوف، تقديره اعرف هذا، وكلا الوجهين لا غبار عليه.
الصورة الثانية قولنا: [ «اللهم» ]
فأما الكلام على لفظها، وكيفية تركيبها فقد ذكرناه فى حقائق الإعراب فلا وجه لإيراده ههنا، وإنما نذكر ما يتعلق بخصوصية البلاغة ومجيئها على أثر عموم، حشوا فى الكلام، حثا للسامع على رعاية القيد، وتنبيها له على جريان العموم إلا فى حالة القيد، ومثاله قولنا أنا لا أنقطع عن زيارتك، اللهم إلا أن يمنعنى مانع ولا أترك الإحسان إليك، اللهم إلا أن يحول بينى وبينك البعد، وقد وقع فى الحريريات:
وما قيل فى المثل الذى سار سائره، خير العشاء سوافره، إلا ليعجّل التعشّى، ويجتنب أكل الليل الذى يعشى، اللهم إلا أن تقد نار الجوع، وتحول دون الهجوع، فهى كما ترى واقعة بين كلامين منبهة على مراعاة القيد الذى ذكرناه.
الصورة الثالثة [ «كل» ]
فإنه دال على الشمول.
اعلم أنك إذا قلت: جاءنى القوم كلهم، فإنه دال بحقيقة وضعه على أن كل واحد منهم قد وقع منه المجىء، ويرفع أن تكون متجوزا فى نسبة المجىء إلى جميع القوم بأن يكون الجائى بعضهم لكون المختلف عنهم واحدا أو اثنين، أو لكون المتخلفين لا يعتد بهم، كما يقال أجمعت الأمة على كذا، وأنت تريد العلماء منهم؛ لأن من عداهم لا اعتداد به، أو أن تكون نسيت المجىء إلى جميعهم لأجل صدوره من بعضهم كما قال تعالى:
فَعَقَرُوا النَّاقَةَ
[الأعراف: ٧٧] والعاقر لها من قوم صالح هو «قدار» لتنزلهم فى الرضا منزلته، وإذا قلت: ما جاءنى القوم كلهم، فإنه يفيد أن واحدا منهم قد جاء لأجل الشمول، فالنفى والإثبات يقعان على ما ذكرناه، نعم إنما يقع الخلاف إذا كان النفى واقعا على لفظة «كل» كقولك «ما كل القوم جاءنى» أو غير واقع عليها كقولك «كلّ القوم ما جاءنى» فهذان تقريران، التقرير الأول فى حكم النفى إذا وليته لفظة الشمول وكانت مندرجة تحته، سواء كانت عاملة فيه فى مثل قولك: ما كل طعامك مأكولا، أو غير عاملة كقولك: ما مأكول كل طعامك، فالنفى فى هذه الصورة واقع على الشمول فلا يناقضه مجىء بعض القوم، ولا أكل بعض الطعام؛ لأن النفى على الشمول والإثبات واقع على