[الصنف الخامس والثلاثون فى إيراد نبذة من السرقات الشعرية]
اعلم أن معنى السرقة فى الأشعار هى أن يسبق بعض الشعراء إلى تقرير معنى من المعانى واستنباطه، ثم يأتى بعده شاعر آخر يأخذ ذلك المعنى ويكسوه عبارة أخرى، ثم يختلف حال الأخذ، فتارة يكون جيدا مليحا، وتارة يكون رديئا قبيحا، على قدر جودة الذكاء والفطنة والفصاحة بين الشاعرين كما سنقرره ونظهر أمثلته، فمن الشعراء من يأخذه كرة وبعرة ويردّه ياقوتة ودرة، ومن الناس من يأخذه ديباجة ويرده عباءة إلى غير ذلك من الأمثال فى النقائض والأضداد فى الأخذ والرد، وهل تعد السرقة الشعرية من علم البديع أم لا، فيه وجهان، أحدهما أنها تكون معدودة فيه، لأن كل واحد من السابق واللاحق إنما يتصرف فى تأليف الكلام ونظمه، وترديده بين الفصيح والأفصح والأقبح والأحسن، وهذه هى فائدة علم البديع وخلاصة جوهره، وثانيهما أنها غير معدودة فى علم البديع، لأن معنى السرقة هو الأخذ، ومجرد الأخذ لا يكون متعلقا بأحوال الكلام ولا بشىء من صفاته، فلأجل هذا لم تكن معدودة فى علم البديع، والأول أقرب، وهو عدّها من جملة أصنافه، والبرهان القاطع على ما ذكرناه، هو أن علم البديع أمر عارض لتأليف الألفاظ وصوغها وتنزيلها على هيئة تعجب الناظر، وتشوق القلب والخاطر، وهذا موجود فى السرقات الشعرية، فإن الشاعرين المفلقين يأخذ كل واحد منهما معنى صاحبه، ويصوغه على خلاف تلك الصياغة، ويقلبه على قالب آخر، فإما زاد عليه، وإما نقص عنه، وكل ذلك إنما هو خوض فى تأليف الكلام ونظمه، فإذن الأخلق عدها منه لما ذكرناه، بل هى أخلق بذلك، لأنا إذا عددنا الطباق، والتجنيس، والترصيع، والتصريع، من علوم البديع مع أنها إنما اختصت بما اختصت به من التأليف وتنزيلها على تلك الهيئات من لسان واحد فكيف حالها إذا كانت مختصة بما ذكرناه من لسانين على هيئتين مختلفتين، فإذا تمهدت هذه القاعدة فاعلم أن السرقات الشعرية وإن كثرت شجونها واختلفت فنونها، فإنها لا تنفك أصولها عن خمسة أنواع نفصلها بمعونة الله تعالى: ونشير إلى جملتها.