بالنفس على وفق العلم من غير مخالفة، فمهما كان الجهل على الله تعالى محالا، كان الكذب عليه محالا، وهذا فاسد أيضا لأمرين، أما أولا فلأنهم ما أقاموا برهانا قاطعا على أن كل من استحال فى حقه الجهل فإنه يستحيل من جهته الكذب، وأن يكون مخبرا بالخبر النفسى على خلاف ما هو به، وهذه القضية غير معلومة بالضرورة، فلا بد فيها من إقامة الدلالة، وأما ثانيها فهب أنا سلمنا أنه يستحيل عليه الكذب فى الكلام القائم بنفسه، فلم لا يجوز أن يكون كاذبا فى الكلام الذى نسمعه ونقرؤه الذى بين أظهرنا، فهذان المسلكان هما العمدة لهم فى تقرير صدق الله تعالى، وقد عرفت ما فيهما من الفساد، وليس العجب من قدماء الأشعرية فى إيراد هذه الأمور الركيكة، وإنما العجب من ابن الخطيب فى إيراده لمثل ذلك مع أنه الرجل فيهم والمتولى على دقائق علم الكلام والمتبحر فى مغاصاته.
[الجهة السادسة من الطعن على القرآن بأنه قد أتى بمثله]
وحاصل هذه المقالة أن كل من قرأ سورة البقرة وجميع القرآن، فإنه قد أتى بمثله، وما هذا حاله فلا يكون معجزا، وإنما قلنا: إن كل من قرأه فقد أتى بمثله، لأنا نعلم بالضرورة أنه لا معنى للكلام إلا الأصوات المقطعة تقطيعا مخصوصا الموضوعة لإفادة معانيها، ونعلم بالضرورة أن الأصوات الحاصلة فى لهوات زيد غير الأصوات الحاصلة فى لهوات عمرو، وإذا تقرر ذلك حصل غرضنا من أن كل من قرأ القرآن فقد أتى بمثله فلا يكون معجزا بحال.
والجواب من وجهين، أما أولا فما هذا حاله من الكلام ركيك جدا، فإنا نعلم بالضرورة أن كل من أنشأ رسالة أو خطبة، أو قال قصيدة، أو غير ذلك من سائر الكلام، ثم أنشأها إنسان آخر فحفظها ورواها مرة أخرى فإنه لا تكون قراءته لتلك الرسائل، والقصائد، والخطب، إتيانا بما يعارضها، وإنما هى مضافة إلى قائلها، وما يكون من جهة القارىء فإنما يكون على جهة الاحتذاء، دون الابتداء والإنشاء، وهذا ظاهر لا يشك فيه أحد من النظار والفصحاء ثم إنهم يقولون للكلام إضافتان، فالإضافة الأولى إلى من ابتدأه وأنشأه، وهذه هى الإضافة الحقيقية، والإضافة الأخرى، وهى لمن حفظه وحكاه، ونعلم قطعا أن كل من قال:
قفانبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل «١»
لا يكون معارضا لامرىء القيس فيما قاله من هذه القصيدة، بل إنما جاء بها على جهة