فيه من حيث كان مبهما، فكان للأفئدة تطلّع إلى فهمه وللقلوب تعلّق به ولها غرام بإيضاحه، وقول النحاة «نعم وبئس» موضوعان لإفادة المدح العام والذم العام يشيرون به إلى ما قلناه من دلالته على الحقيقة الذهنية.
المسئلة الثالثة فى [الضمير المتوسط بين المبتدأ والخبر] وعواملهما،
وهذا كقولك كان زيد هو القائم، وزيد هو القائم، وظننت زيدا هو القائم قال الله تعالى: وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (٥٨)
[القصص: ٥٨] ، إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَ
[الكهف: ٣٩] وقوله تعالى: وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (٧٦)
[الزخرف: ٧٦] والكسائى وغيره من نحاة الكوفة يسمونه العماد، لمطابقته لما قبله، وسيبويه وغيره من نحاة البصرة يسمونه الفصل؛ لأنه ورد فاصلا بين كونه وصفا وغير وصف، فأما الدلالة على اسميته وموضعه من الإعراب فذكره إنما يليق بالمباحث الإعرابية، والذى نتعرض لذكره ههنا ما يختص بالبلاغة والفصاحة، وقد ورد فى كتاب الله تعالى وفى غيره كما تلونا من هذه الآيات، فوروده إنما كان من أجل التأكيد المعنوى، وفيه دلالة على الاختصاص فقوله تعالى: وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤)
[البقرة: ٢٥٤] وقوله تعالى: وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (٧٦)
[الزخرف: ٧٦] ، إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَ
[الكهف: ٣٩] إلى غير ذلك من الضمائر التى وردت على هذه الصفة فإنها مفيدة للتأكيد كما ترى، لأن الكلام مع ذكرها أبلغ، فأنت لو قلت والكافرون الظالمون، ولكن كانوا الظالمين، وأسقطت هذه الضمائر، فإنك تجد فرقا بين الحالتين فى التأكيد وعدمه، وكما هى مفيدة للتأكيد كما ترى ففيها دلالة على الاختصاص؛ لأنه إذا قال والكافرون هم الظالمون، فإنما جاء بالضمير ليدل على أنهم لكفرهم اختصوا بمزيد الظلم الفاحش، وقوله تعالى:
أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا
[الأنفال: ٤] فيه دلالة على مزيد اختصاصهم بالإيمان واستحقاقهم لصفته من بين سائر الخلق فيؤخذ الاختصاص والتأكيد من هذا الضمير كما أشرنا إليه.
المسألة الرابعة فى [توكيد الضمائر]
اعلم أن دخول التأكيد فى الكلام ليس أمرا حتما، ولا يكون على جهة الوجوب، وإنما يكون وروده على وجهين، أحدهما: أن يكون المعنى