لا يقال فأراه لما قال «أذاقها» فلم لم يقل طعم الجوع والخوف ليلائم قوله «فأذاقها» ؟ ولم قال لباس الجوع وبين اللباس والطعام تنافر؟ لأنا نقول إن الطعم وإن كان ملائما للإذاقة، لكنه لو ذكره لما كان مقويا لبيان اشتمال الجوع والخوف لهم، وعموم أثرهما على جميع البدن، كما تعم الملابس وتغطى جميع البدن، فلا جرم حصل من لفظ الإذاقة المبالغة فى إدراك ألم الجوع والخوف بالإدراك بآلة الذوق، وحصل من لفظ اللباس المبالغة فى العموم والاشتمال، فلأجل هذا كان الأولى ذكر اللباس ليحصل المعنيان جميعا» ،
[فأما الاستعارة الموشحة،]
فإنما سميت بهذا الاسم، لأنك إذا قلت:«رأيت أسدا وافر الأظفار منكر الزئير دامى الأنياب» فقد ذكرت لازم اللفظ المستعار وذكرت خصائصه فوشحت هذه الاستعارة، وزينتها بما ذكرته من لوازمها وأحكامها الخاصة، أخذا لها من التوشيح، وهو ترصيع الجلد بالجواهر واللآلىء تحمله المرأة من عاتقها إلى كشحها، وهذا هو الوشاح، واشتقاق التوشيح للاستعارة منه، ومثالها قوله تعالى: اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى
[البقرة: ١٦] ثم قال على إثره فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ
[البقرة: ١٦] فلما استعار لفظ الشراء عقبه بذكر لازمه وحكمه، وهو الربح توشيحا للاستعارة، ولو قال فهلكوا أو عموا وصموا عوض قوله: فَما رَبِحَتْ
لكان تجريدا، ولم يكن توشيحا، ولو قال تعالى فكساها الله لباس الجوع، لكان توشيحا، أو قال فأذاقها الله طعم الجوع والخوف لكان توشيحا أيضا، ومن التوشيح قول كثير عزة:
رمتنى بسهم ريشه الكحل لم يضر ومن قوله:
تقرى الرياح رياض الحزن مزهرة ... إذا سرى النوم فى الأجفان أيقاظا
فذكر السهم مع الريش، والرياض مع الأزهار، يكون توشيحا.
ومن مليح الاستعارة المجردة ما قاله أمير المؤمنين كرم الله وجهه، فى حق الله تعالى:
«فلو وهب ما ضحكت عنه أصداف البحار من سبائك العقيان وفلز اللجين» ومن الاستعارة الموشحة قوله عليه السلام: «قذفت إليه السموات والأرضون مقاليدها، وانقادت له الدنيا والآخرة بأزمتها» .
فلما ذكر الانقياد عقبه بما يلائمه من الزمام توشيحا لها.