[سبأ: ١٧] فإذا وقف السامع على قوله تعالى: «وهل يجازى» بعد ما تقدم من الكلام والإحاطة به، فإنه يعلم لا محالة أنه ليس بعد قوله وهل يجازى إلا «الكفور» وعلى هذا ورد قوله تعالى: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ (٦٠)
[الرحمن: ٦٠] فإذا وقف السامع على قوله هل جزاء الإحسان، تحقق لا محالة أن ما بعده قوله إِلَّا الْإِحْسانُ (٦٠)
لما فى ذلك من الملائمة وشدة التناسب، ومثل هذا محمود فى الكلام كله نثره، ونظمه، وهو فى كتاب الله تعالى: أكثر من أن يحصى، وما ذاك إلا لأن خير الكلام ما دل بعضه على بعض، وأحق الكلام بهذه الصفة هو كلام الله، فإنه البالغ فى الذروة العليا من الفصاحة فى ألفاظه، والبلاغة فى معناه.
[المثال الثانى من السنة الشريفة،]
وهذا كقوله صلّى الله عليه وسلّم: فما بعد الموت من مستعتب، وما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار، فإن السامع إذا وقف على قوله: فما بعد الدنيا من دار، فإنه يتحقق لا محالة أن ما بعده «إلا الجنة أو النار» لما بينهما من شدة الملائمة وعظيم المناسبة، ومن هذا قوله عليه السلام لما سار لفتح خيبر، فلما رآها قال الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين، فإن السامع إذا وقف على قوله: نزلنا بساحة قوم، عرف أن ما بعده، فساء صباح المنذرين، لأن قوله إذا نزلنا بساحة قوم فيه وعيد عظيم لهم بالبوار والإهلاك فهو دال على قوله فساء صباح المنذرين، لأنه لا صباح أعظم فى البلاء من ذلك اليوم لما اشتمل عليه من القتل والأخذ، ونهب المال، ولا بلاء مثل هذا، وهذا وإن كان قد سبق به القرآن لكنه قد تكلم به فى ذلك اليوم، فلا جرم أوردناه فى أمثلة السنة، وإنما عظم موقع الآية وكان لها من الفخامة وعلو الشأن فى البلاغة، لما كانت واردة على جهة التمثيل، مثل حالهم فى عدم التفاتهم إلى ما أنذروا من العذاب الأليم بحال من أنذر بحصول الجيش فلم يلتفتوا ولا أخذوا أهبة الحذر منه حتى نزل بدارهم فقطع دابرهم واستأصل شأفتهم، فمن أجل هذا لاءم قوله فإذا نزل بساحتهم إلى آخر الآية، حتى فهم آخرها قبل ذكره، ومن هذا قوله عليه السلام فى صفة القرآن: فإذا التبست عليكم الأمور كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن، فإنه شافع مشفّع وشاهد مصدّق من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو أوضح دليل ٧ لى خير سبيل، من قال به