هو أن العادة جارية والأساليب مطردة فى تشبيه الأدنى بالأعلى والأقل بالأكثر، والفاضل بالأفضل، وقد يقصد البليغ فى نظمه ونثره على جهة التخييل أن يوهم فى الشىء القاصر عن نظيره أنه زائد عليه، وعند هذا ينعكس الأمر فيجعل الأصل فرعا، ويشبه الزائد بالناقص ويجعل الفرع لأجل المبالغة أعلا شأنا من الأصل، فيرفعه إلى رتبة الأصل كما قال بعض الشعراء:
وبدا الصباح كأن غرته ... وجه الخليفة حين يمتدح
فهذا على أنه جعل وجه الخليفة كأنه أعرف وأشهر وأتم وأكمل فى النور والضياء من الصباح، فلما اعتقد هذا وعزم عليه ساغ له جعل الصباح فرعا ووجه الخليفة أصلا، وكما قال ابن المعتز:
وكأنما الشمس المنيرة دينا ... رجلته حدائد الضراب
فهذا وأمثاله وإن عظم التفاوت فيه لكن الذى حسن منه هو أنه لم يقصد قصر التشبيه على مجرد الإنارة، وإنما أراد تشبيه مستدير يتلألأ ويلمع، ثم خصوص حسن اللون الموجود فى الدينار المتخلص من حمى السبك، فأما مقدار النور والشعاع العظيم فكأنه لم يتعرض له بحال.
[الكيفية الخامسة]
اعلم أن التشبيه كما يقع فى المفرد فهو واقع فى المركب فإذا قصدت إيقاع التشبيه بالمفرد، فإنما تقصد إلى نفس تلك الحقيقة المجردة مع قطع النظر إلى غيرها، وإذا قصدت التشبيه بالمركب. فإنما يؤول الأمر فيه إلى تشبيه مفردات بمفردات، فلا جرم حصل التركيب لا محالة، فأما تشبيه المفرد بالمفرد فمثاله فى الحركة، فإذا أوقعت التشبيه فأنت كما قال ابن المعتز فى صفة البرق.
وكأن البرق مصحف قار ... فانطباقا مرة وانفتاحا
فلم يقع التشبيه فى جميع أوصاف البرق ومعانيه، ولكن نظر إلى مجرد الحركة فى الانبساط والانقباض، وقد قصر تشبيهه على نفس الحركة، ثم إنه قدر فى نفسه لينظر أى أوصاف الحركة أخص، فوجد ذلك فى فعل القارىء بأوراق المصحف من فتحها مرة،