علم بدلالة أخرى، ومن أجل هذا فرق علماء الشريعة بين صريح القذف وكنايته، وتعريضه، فأوجبوا فى الصريح من القذف الحد مطلقا فى قولك: يا زانى، وأوجبوا فى كنايته الحد إذا نوى به فى مثل قولك: يا فاعلا بأمه، ويا مفعولا به، ولم يوجبوا فى التعريض الحد فى مثل قولك. يا ولد الحلال، وما ذاك إلا لأجل أن الصريح والكناية، يدلان على القذف من جهة اللفظ، إما بالحقيقة، أو بالمجاز، ويحكى عن الإمام الناصر أن رجلا قال لرجل بحضرته. يا ولد الحلال، فلم يحده، واعتذر بأنه لا حد فى التعريض، فصار التعريض وإن لم يكن معدودا من المجاز، لكنه أخص من الكناية، ولهذا فإن كل تعريض كناية، وليس كل كناية بتعريض، فهى أعم منه، والكناية بالإضافة إلى الاستعارة خاصة، ولهذا فإن كل كناية فهى استعارة، وليس كل استعارة تكون كناية، لما كانت أخص منها، فأما التشبيه المضمر الأداة والاستعارة التى لا يظهر فيها مقصود التشبيه، فهما نوعان لا يدخل أحدهما تحت الآخر، لكن التشبيه المضمر الأداة، يمكن اندراجه تحت التشبيه، لما كان التشبيه مقدرا فيه، ويمكن اندراجه تحت الاستعارة لما كان حرف التشبيه غير ظاهر فيه، فإذن حقيقته منحدرة إليهما كما ترى، وقد أسلفنا فيه قولا بالغا يطلع على السر والغاية ويفى بالمقصود وإحراز النهاية، ثم إنها مندرجة تحت المجاز، لأنها أنواعه وهو جنسها، فهذا ما أردنا ذكره فى التعريض، وهو الفصل الثانى.
[الفصل الثالث فى بيان أمثلة الكناية، وذكر شواهدها]
ولها شواهد وأمثلة من جهة الكتاب، والسنة، وكلام أمير المؤمنين، وكلام البلغاء، والكنايات الشعرية، فهذه أنواع خمسة.
[(النوع الأول) فى بيان ما ورد من الكنايات القرآنية]
فمن ذلك قوله تعالى: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ
[الحجرات: ١٢] فهذه الآية قد اشتملت على نكت سبع، كلها دالة على حسن المطابقة لمقصد الكناية التى وقعت من أجله، نفصلها بمعونة الله تعالى.