مختصا بها من غيرها من سائر صفاته، بخلاف ما لو قلت: جاء زيد راكبا، فإنه كما يجوز أن يجىء على هذه الصفة فإنه يجوز مجيئه على غيرها من الصفات فافترقا.
الصورة الخامسة [الاستثناء]
فى نحو قولك: ما ضربت إلا زيدا أحدا، فإنك إذا قدمته فإنه يفيد الحصر، وأنه لا مضروب لك سواه، وهكذا لو قلت: ما ضربت أحدا إلا زيدا؛ فالصورتان دالتان على الحصر لما كان الاستثناء متصلا بالمفعول، بخلاف قولك: ضربت زيدا، فإنه غير مفيد للحصر، فكما يجوز أن تضربه يجوز أن تكون ضاربا لغيره وهكذا القول فى غيره من المسائل فإنها تختلف حالها باختلاف التقديم والتأخير.
[التقرير الثانى فى بيان ما يجوز تقديمه ولو أخر لم يفسد معناه]
اعلم أن الشيئين إذا كان كل واحد منهما مختصّا بصفة تقتضى تقديمه على الآخر فأنت بالخيار فى تقديم أيهما شئت، وهذا كقوله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ
[فاطر: ٣٢] فإنما قدم الظالم لنفسه لأجل الإيذان بكثرتهم وأن معظم الخلق على ظلم نفسه، ثم ثنى بعدهم بالمقتصدين لأنهم قليل بالإضافة إلى الظالمين، ثم ثلث بالسابقين وهم أقل من المقتصدين، فلا جرم قدم الأكثر، ثم بعده الأوسط، ثم ذكر الأقل آخرا لما أشرنا إليه، ولو عكست هذه القضية فقدم السابق لشرفه على الكل، ثم ثنى بالمقتصد لأنه أشرف ممن ظلم نفسه لم يكن فيه إخلال بالمعنى، فلا جرم روعى فى ذلك تقديم الأفضل فالأفضل، ومما ينسحب ذيله على ما قررناه من الضابط قوله تعالى: وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (٤٩)
[الفرقان: ٤٩] فقدم حياة الأرض لأنها سبب فى حياة الخلق، فلأجل هذا قدمت لاختصاصها بهذه الفضيلة، ثم قدم حياة الأنعام على حياة الناس، لما فيها من المعاش للخلق والقوام لأحوالهم، فراعى فى التقديم ما ذكرناه، ولو قدم سقى الخلق على سقى الأنعام لاختصاصهم بالشرب، وقدم سقى الأنعام على الأرض لكان له وجه؛ لأن الحيوان أشرف من غيره، فكل واحد منهما مختص بفضيلة يجوز تقديمه لأجلها، فلأجل هذا ساغ فيه الأمران كما ترى، ومما نورده من ذلك