وأما التفرقة بين الاستعارة والتشبيه فاعلم أن كل ما كان من صريح الاستعارة إما تصيير الشىء الشىء وليس به كما قال بعض الشعراء:
لا تعجبوا من بلى غلالته ... قد زر أزراره على القمر
وكما قال بعضهم:
قامت تظللنى من الشمس ... نفس أعز على من نفسى
قامت تظللنى ومن عجب ... شمس تظللنى من الشمس
وأما جعل الشىء للشىء وليس له فكما قال لبيد:
وغداة ريح قد كشفت وقرة ... إذ أصبحت بيد الشمال زمامها
أراد السحابة كما قالوا نشبت أظفار المنية بفلان، فهذا لا خفاء بكونه مستعارا كما ترى، وما كان من صريح التشبيه فلا مقال فيه، وهو ما كان فيه أداة التشبيه ظاهرة كقول بشار:
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
ومثل قولهم فلان كالبدر، وفلان كالأسد، إلى غير ذلك من التشبيهات، فهذا لا خفاء به فى كونه تشبيها محضا، وإنما يقع النظر والتردد فى التشبيه المضمر الأداة كقولك زيد الأسد شجاعة، وعمرو البحر فى الجود والكرم، وكقول أبى الطيب المتنبى:
بدت قمرا ومالت خوط بان ... وفاحت عنبرا ورنت غزالا
فهل يعد من باب التشبيه، أو من باب الاستعارة، فيه مذهبان.
[المذهب الأول أنه ليس من باب الاستعارة]
وهذا هو الذى مال إليه ابن الخطيب الرازى وأبو المكارم صاحب التبيان، وهو رأى أكثر علماء البيان، وأنه من باب التشبيه المضمر الأداة، ولهم على ذلك حجتان:
الحجة الأولى، قولهم إن الأسماء فى دلالتها على مدلولاتها نازلة منزلة الهيئات فى دلالتها على ما تدل عليه من الأحوال، فكما أنك لو أخذت رجلا من السوقة معلوما حاله بكونه سوقيا، ثم ألبسته تاج الملك، وأعرته إياه، وأقعدته على تخت المملكة بحيث إن كل