[الباب الثانى فى ذكر الدلائل الإفرادية وبيان حقائقها]
اعلم أن اللفظ فى دلالته على ما يدل عليه لا يخلو حاله إما أن يكون بالإضافة إلى مفرداته، أو بالإضافة إلى ما تركب منه، فالأول هو الدلالة الإفرادية، وهذا كدلالة لفظ الرجل، والأسد، والإنسان، على معانيها المفردة، فإنها دالة عليها من غير إضافة أمر إليها، لا سلبا ولا إيجابا، والثانى هو الدلالة التركيبية، وهذا كدلالة قولنا: زيد قائم، وعمر خارج، فإن ما هذا حاله دال على معنى مركب، وهو إضافة هذه الأحكام لتحصل من أجلها الفائدة المركبة، وهذا هو الكلام فى ألسنة النحاة، ويقال له الجملة، ثم إن الفائدة التى يفيدها الكلام على وجهين؛ أحدهما أن تكون من جهة ذاته كقولنا: زيد قائم، وعمر منطلق، فإن ما هذا حاله فإنه لا يحتاج فى إفادة ما يفيده إلى أمر وراء هذه الجملة، وثانيهما أن تكون مستفادة من جهة أخرى، إما من جهة الكناية كما يقال فى المرأة: هى نئوم الضّحى. فإنه يدل على كونها مترفهة، وإما من جهة الاستعارة كما يقال:«بين أثوابه أسد هصور» استعاره للشجاعة، و ٧ ما من جهة التمثيل كقولنا:«فلان يقدّم رجلا ويؤخّر أخرى» تمثيلا لتحيّره فى الأمر، وإما من جهة الاقتضاء كقوله تعالى فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ
[البقرة: ٦٠] المعنى فضرب فانفجرت، وكقوله صلّى الله عليه وسلّم:«لا تضحوا بالعوراء» . فدخول العمياء من جهة الاقتضاء، إلى غير ذلك من التعليقات التى يشعر بها الكلام ويقتضيها، وكان من حقنا إيراد الكلام فى المجاز وأنواعه لكونه من الدلائل الإفرادية، لكنا جعلنا له بابا على حياله لأمرين؛ أما أولا فلما اختص به من مزيد الاعتناء، وأكيد الاهتمام، وعظم موقعه فى البلاغة، وأما ثانيا فمن أجل كثرة مسائله وانتشار حواشيه، فلأجل هذا قدمناه وأفردنا له باب على حياله غير مضموم إلى سواه، فإذا تمهدت هذه القاعدة فاعلم أن مقصودنا من هذا الباب منحصر فى عشرة فصول: