اعلم أن الخبر والإنشاء متضادان، لأن الخبر ما كان محتملا للصدق والكذب، والإنشاء ما ليس يحتمل صدقا ولا كذبا، فلا يجوز فى صيغة واحدة أن تكون حاملة إنشاء وخبرا، لما ذكرناه من التناقض بينهما، نعم قد ترد صيغة الخبر والمقصود بها الإنشاء، إما لطلب الفعل، وإما لإظهار الحرص على وقوعه، وهذا كقوله تعالى: وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ
[آل عمران: ٩٧] فليس واردا على جهة الإخبار فيهما جميعا، لأنه يلزم منه الكذب، وهو محال فى كلامه تعالى، لأن كثيرا من الوالدات لا ترضع الحولين، بل تزيد وتنقص، وهكذا قد يدخل البيت من هو خائف، فلهذا وجب تأويله على جهة الإنشاء، والمعنى فيه، لترضع الوالدات أولادهن حولين على جهة الندب والإرشاد إلى المصالح، وهكذا قوله: وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً
معناه ليأمن من دخله، ومخالفة الأوامر لا فساد فيها، ولا يلزم عليه محال، بخلاف الأخبار فإنه يلزم من مخالفتها الكذب، ولا يرد الإنشاء، ويكون فى معنى الخبر إلا على جهة الندرة فى مثل قولك: وجدت الناس «اخبر تقله» أى وجدت الناس يقال عندهم هذا القول، والسر فى ذلك هو أن الإنشاء إذا ورد بمعنى الخبر فليس فيه مبالغة، بخلاف عكسه، فإنه يفيد المبالغة، وهو الدوام والاستمرار كما مثلناه فى الآيتين اللتين تلوناهما، وتحت هذه الأمور التى ذكرناها من هذا القسم فى المسائل الخبرية والطلبية، من المعانى القرآنية، والأسرار التنزيلية، مما يكون متعلقا بفن المعانى ما لا يحصى عده، ولا يحصر حده، يدريه كل ألمعىّ نحرير، ويفهمه كل ذكى بصير، ولا يزداد على كثرة الرد والمطالعة إلا وضوحا وتقريرا.