اعلم أن هذه الضمائر لها جانبان، أحدهما يتعلق بجانب الإعراب، والآخر يتعلق بجانب المعانى، فالذى يتعلق بالإعراب قد ذكرناه فى موضعه وأودعناه أسرارا بديعة كلها مختصة بحقائق الإعراب. والذى نذكره ههنا ما يتعلق بعلوم البلاغة وحقائقها، وتمام المقصود منه يحصل برسم مسائل:
المسئلة الأولى: فى [ضمير الشأن والقصة] ،
ويكون مرفوعا، ومنصوبا، لاتصاله بالعوامل الرافعة والناصبة، فإذا وقع مرفوعا فتارة يكون منفصلا كقولك «هو زيد قائم» ، وقوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)
[الجن: ١٩] ونحو قولك: «ظننته زيد قائم» ، هذا كله فى متصل المنصوب. فأما متصل المرفوع فكقولك:
«كان زيد قائم» وقوله تعالى: مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ
[التوبة: ١١٧] وإنما خلطناهما فى التمثيل أعنى المنصوب والمرفوع لاشتراكهما فى الاتصال، فإذا تقرر هذا فاعلم أن ضمير الشأن والقصة على اختلاف أحواله، إنما يرد على جهة المبالغة فى تعظيم تلك القصة وتفخيم شأنها وتحصيل البلاغة فيه من جهة إضماره أولا، وتفسيره ثانيا، لأن الشىء إذا كان مبهما فالنفوس متطلعة إلى فهمه ولها تشوق إليه، فلأجل هذا حصلت فيه البلاغة، ولأجل ما فيه من الاختصاص بالإبهام لا يكاد يرد إلا فى المواضع البليغة المختصة بالفخامة.
المسئلة الثانية: فى [الضمير فى «نعم وبئس» ]
هو قولك «نعم رجلا زيد»«وبئس غلاما عمرو» ، فانتصاب ما بعدهما من النكرات إنما يكون على جهة التفسير لما تضمنا من الضمائر الدالة على الحقيقة الذهنية، ولهذا فإنه إذا ظهر فلا بد من اشتراط كونه جنسا فتقول فيه:«نعم الرجل زيد» ، «وبئس الغلام عمرو» ، وفى هذا دلالة على كون الضمير دالا على الأمر الذهنى، لما فسر بالجنس لما فيه من الدلالة على الحقيقة الذهنية، وهو إنما أضمر على جهة المبالغة فى المدح والذم وهو من الباب الذى أبهم ثم فسر، فتوجّه البلاغة